بعد سنوات من الشد والجذب والتوترات وتبادل الشتائم والتهديدات التى لم تتمكن حتى الآن من إثناء الإيرانيين عن المضى فى برنامجهم النووى، بدأت الولايات فى تجريب سياسة الدبلوماسية الناعمة التى طالما نصحها بها الخبراء والسياسيون، وسبق أن أثمرت عن نتائج مع كوريا الشمالية وليبيا. وبعد أن عدمت واشنطن الحيل إزاء إيران ورأت أنه لم يعد لديها الوقت الكافى كى تنتظر حتى تسلم الأخيرة تحت الضغوط والعقوبات التى تنوى تشديدها، اضطرت إلى تغيير البوصلة السياسية من خلال إرسال أحد كبار دبلوماسييها للمشاركة فى محادثات مباشرة مع إيران، ولكن من داخل عباءة المجموعة الدولية المعنية بهذا الملف والتى تضم الدول الأعضاء الخمس الدائمة بمجلس الأمن إلى جانب ألمانيا. ولم تكن مشاركة الولايات المتحدة فى هذه المحادثات سوى وسيلة لتوحيد الجبهة الدولية خلف طائفة رابعة من العقوبات على إيران، بعد أن بدا أن هناك إحجاما وشرخا فى التحالف الدولى إزاء المزيد منها.
وبدأ وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ويليام بيرنز المحادثات السبت فى جنيف، وهو يحمل تعليمات بعدم التحدث مباشرة بشكل منفرد مع سكرتير عام مجلس الأمن القومى الذى يمثل إيران سعيد جليلى. وهذا هو أعلى مستوى من الاحتكاك السياسى المباشر بين الولايات المتحدة وإيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.
كما تتطاير التقارير هنا وهناك عن عزم الولايات المتحدة فتح مكتب لرعاية مصالحها لدى طهران يعمل به دبلوماسيون أمريكيون، بعد أن كانت السفارة السويسرية هى التى ترعى المصالح الأمريكية هناك. وأوضحت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس أمس الجمعة أن وجود بيرنز فى هذه المحادثات يهدف إلى التأكيد على السياسة الأمريكية الثنائية المسار، والمتمثلة إما فى مكافأة إيران إذا قررت تعليق أنشطة تخصيب ومعالجة اليورانيوم أو فى فرض المزيد من العقوبات إذا أصرت على المضى فى "غيها".
ورأت المستشارة السابقة للسياسات لدى الخارجية الأمريكية سوزان ميلونى أن قرار المشاركة فى المحادثات من خلال ويليام بيرنز يشكل خطوة كبيرة للأمام، ودليلا على حسن النية من قبل واشنطن.إلا أنها لا تتوقع أن يسفر اجتماع جنيف عن نتائج كبيرة، وذلك بالنظر لتصريحات الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد التى أكد فيها أنه ليس هناك شيء فى العالم يحول دون حق إيران فى تخصيب اليورانيوم، وأيضا بالنظر للقاءات السابقة بين جليلى وسولانا. معتقدة أن أى شيء يؤدى إلى اجتماعات لاحقة سيعتبر نجاحا هائلا.
ولم تكن الولايات المتحدة تشارك فى أى جولة من المحادثات السداسية التى كان يقود فيها الجانب الغربى المسئول الأعلى للسياسة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبى خافيير سولانا. وكانت واشنطن تصر دائما على أنه لا محادثات ولا جلوس مع إيران على مائدة واحدة إلا بعد أن تعلق أنشطة التخصيب. معتقدة أن الوصفة التى استخدمتها للتعامل مع كل من كوريا الشمالية وليبيا من التلويح بتشديد العقوبات والإغراء بالكثير من الحوافز يمكن أن تجدى مع إيران.
من جانبها، تحاول إيران أن تبدو أكثر دبلوماسية فى أى شيء إلا فى مسألة حقها فى تخصيب اليورانيوم وإتقان تقنياته. ولذا رحبت على لسان عدد من مسئوليها بفتح مكتب لرعاية المصالح الأمريكية فى طهران واعتبرته خطوة على الطريق الصحيح، بل وأشار مسئول إيرانى إلى ضرورة تعزيز هذه الخطوة بتسيير خط طيران بين الولايات المتحدة وطهران.
واعتبرت رايس أن إرسال بيرنز إلى جنيف يشكل تحولا فى الدبلوماسية الأمريكية نحو إيران ودليلا على جدية واشنطن فى المضى على هذا المسار.إلا أنها قالت إنه ينبغى أن يكون واضحا للجميع أن الولايات المتحدة ستواصل إصرارها على أن تعليق إيران لأنشطة التخصيب والمعالجة بشكل يمكن التحقق منه هو شرط مسبق لبدء المفاوضات الرسمية معها. وينذر رفض إيران لعرض الحوافز المشروط بإطلاق الجولة الرابعة من العقوبات من خلال قرار جديد من مجلس الأمن وربما بمزيد من العقوبات الأوروبية. وتغازل واشنطن الإيرانيين من البوابة الشعبية، حيث دعت فريق كرة السلة القومى الإيرانى للمشاركة فى الدورى الوطنى لكرة السلة بالولايات المتحدة هذا العام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة