عاطف حزين

حسن ومرقص.. لطمة على وجوهنا جميعاً

السبت، 19 يوليو 2008 01:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أحببت حسن ومرقص كثيراً وأود لو أشاهده مرات ومرات، لم أحبه كشريط سينمائى أو كأداء مذهل لعادل إمام وعمر الشريف، وإن كان ذلك يستحق الحب، لكن انبهارى بشجاعة المؤلف يوسف معاطى فى تناوله لموضوع، أظن أن كلنا نتعامل معه بأسلوب النعامة، هو الذى شجعنى على الكتابة.

قبل يوسف معاطى كان الكتاب وكانت الحكومة وكان أفراد الشعب، يتعاملون مع الفتنة الطائفية بازدواجية مقيتة يستوى فى ذلك المسلم والمسيحى، فنحن أمام أجهزة الإعلام نتحدث بلغة حميمية عن تعانق الهلال مع الصليب، فإذا ما انطفأت الأضواء واختفت الكاميرات والميكروفونات نتحدث بلغة أخرى معاكسة تماماً، فلا استطاع كلام الميكروفونات حل الأزمة ولا تمكن حديث الغرف المغلقة من احتوائها، وظنى أن تلك الازدواجية، التى تمثل منهاجاً لحياتنا فى شتى مجالاتها هى التى تؤجج الفتنة، وتجعل من شعار "اللى فى القلب فى القلب يا كنيسة" نبراساً نهتدى به! لكن يوسف معاطى لم يفعل مثلنا ويدفن رأسه فى الرمال، بل امتطى صهوة قلمه وقالها بصوت عالٍ: بل عندنا فتنة ونار وغضب، لو انفجروا فى لحظة لن يبقى فى مصر طوبة على طوبة.

وإذا كانت الضرورة الفنية اقتضت أن يتناول يوسف معاطى هذه الصرخة بأسلوب فانتازى، يخلط بين الكوميديا والتراجيديا، فلابد أن نعترف بأن فكرته وصلت، وصرخته مزقت نياط قلوبنا، وخوفه على الوطن انتقل إلينا جميعاً، ولم يبق إلا أن نسأل أنفسنا: ماذا نفعل حتى لا تتحقق نبوءة فيلم حسن ومرقص؟ ما الذى يمكن أن أفعله أنا كمصرى مسلم، وما الذى يمكن أن يفعله جارى وصديقى ميشيل حتى لا يسقط الوطن فى مهاوى الجهل والعنصرية والضياع؟ لم يقل لنا يوسف معاطى الإجابة، ليس لأن هذه ليست من وظائف الفن، ولكن لأن أحداً لا يعرف وسيلة واحدة لنزع الغل والكراهية المدفونة فى صدور الكثير منا، عبر سنوات طوال لم نعرف خلالها محاولة حكومية واحدة لإبطال مفعول القنابل الزمنية، التى يحملها أشقائى الأقباط فى صدورهم والتى تضغط عليهم بقوة لا يخفف من وطأتها سوى التفتيش بالكلام، فيما بينهم أو مع صديق مسلم يثقون فى عقله وقلبه وثقافته ووطنيته.

وكان ظنى أن الفرحة الطاغية التى عمت بيوت الأقباط، عندما قرر الرئيس مبارك اعتبار يوم 7 يناير عيداً للمصريين جميعاً، يتمتعون فيه بإجازة رسمية ستشجع الحكومة على اتخاذ مجموعة أخرى من الإجراءات، تقضى على الاحتقان والشعور بالاضطهاد الذى يعانى منه المصريون الأقباط، كنت أتمنى أن تضم حركة رؤساء الجامعات الأخيرة تعيين أستاذين قبطيين على الأقل، كنت أتمنى أن تشهد حركة المحافظين التى سبقتها تعيين ثلاثة محافظين على الأقل، وكنت أتمنى وأتمنى، لكن أمنياتى ذهبت أدراج الرياح ليبقى الوضع على ما هو عليه.

لست أدافع عن أمنيات الأقباط فهم يستطيعون ذلك دون معاونة منى، إنما أدافع عن وطنى الأهم عندى من الجهلاء المتطرفين من المسلمين والأقباط، وطنى الذى يتضاءل يوماً بعد يوم، لأنه يراكم المشاكل فوق المشاكل حتى وصلت إلى حجم يستعصى على الحل حتى بالقرارات الجمهورية، ويقينى أن مشكلة الأقباط من المشاكل، التى نرثها جيلاً وراء جيل وحكومة وراء حكومة، ورئيساً عن رئيس والحمد لله أنه لم تحدث حتى الآن الكارثة التى نخشاها، وأعلم أن ذلك لم يحدث ليس بسبب الإجراءات والاحتياطات الأمنية وحدها، ولكن لأن الله أنعم على مصر بعقلاء من رجال الدين يستطيعون احتواء المصائب الصغيرة، قبل أن تتحول إلى كوارث، نعم هناك رجال الدين من الجانبين يؤججون الفتن ويوغرون الصدور، لكن من رحمة ربنا بمصر أن عددهم أقل كثيراً جداً من عقلاء الأمة، لكن ذلك لا يحل المشكلة، والرهان على هؤلاء العقلاء رهان خاسر، لأنهم سيصلون إلى درجة اليأس، خاصة وأنهم من دواخلهم يؤمنون بعدالة رغبات الأقباط.

يوسف معاطى قال كل ذلك، وما كلماتى إلا أصداء لما كتبه تحت اسم حسن ومرقص، وكم أود أن أشد على يديه التى كتبت عبارة وردت على لسان جرجس أن بولس حين عاتب أبيه وأمه، بعد أن تبدل حبهما لعائلة الشيخ محمود أبومرقص إلى كراهية، بعد أن علما بحقيقتهما، قال جرجس مجرد تغيير الأسماء يحول المشاعر.. معقول؟؟! لكن عائلتى حسن ومرقص. أو بولس ومحمود تكاتفتا حتى يمروا من بين جحافل الغاضبين المتناحرين من المسلمين والأقباط المتعصبين، مروا من بينهم فطالتهم الضربات التى لم تفرق بين حسن ومرقص، فذلك شأن الغضب الجاهل، وتلك نتيجة حتمية لفتنة عمرها عشرات السنين بدأت صغيرة جداً لكننا تركناها تكبر وتكبر وتكبر، حتى أصبحت جاهزة لابتلاعنا جميعاً.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة