إنه يوم غير سعيد بالنسبة لإسرائيل... وأنا فى أسعد حالاتى.. لحظات الفرح نادرة.. وقد كنا قديما حين تباغتنا الحياة بكرمها غير المتوقع، نهتف قائلين: "واحد يهودى مات النهارده"، وأنا حين يعلن شيمون بيريز "أنه يوم غير سعيد بالنسبة لإسرائيل" أشعر بأن الحياة تمنحنى يوما كريما آخر.. أيام إسرائيل السعيدة فى سنوات عمرى المديدة كانت كثيرة وثقيلة على القلب..
فى المدرسة كانوا يقولون لنا إن الجيش المصرى حطم أسطورة "إسرائيل التى لا تقهر"، ثم سادت نظرية المرحوم السادات، بأن أكتوبر هى آخر الحروب، فى الواقع كانت أكتوبر بالفعل هى آخر الحروب التى يقرر العرب خوضها، ويمتلكون ناصية الفعل والانتصار فيها، بينما ومنذ ولدت كانت إسرائيل تحارب يمينا ويسارا.. تجتاح بيروت، تدك غزة، تطال بغداد، ونحن واقفين عند قناعة أن أكتوبر هى آخر الحروب... إذاً فما الذى كان يجرى حولنا؟ أليست هذه حروبا نذبح فيها كالدجاج... كان يبدو أن إسرائيل لا تقهر فعلا, إلا أمام حزب الله.
تذعن إسرائيل فقط أمام حزب الله.. تقهر وتنسحب وتستسلم وتخضع لشروط المقاومة، بالرغم من أنها على كل الساحات نجحت فى أن تفرض شروطها، صرنا نتفاوض على فتح المعابر، وصار بعيدا جدا أن نتكلم على دولة فلسطينية حتى ولو على 1% من الأرض الفلسطينية، فما بالك بالحديث عن القدس، اليوم كان أسرى حزب الله المفرج عنهم يرددونها بثقة "العام القادم فى القدس بإذن الله" وأنا أصدقهم، بالرغم من أننى عادة لا أخذ كلام السياسة على محمل الجد.
لم يخذلنى حزب الله أبدا.. حرر الجنوب سنة 2000، دافع عن لبنان ببسالة فى حرب تموز 2006، فاوض بكرامة، قدم لهم القليل فى مقابل الكثير من أهدافه التى تتحقق على الأرض... يتساءل الكثيرون عن سر إذعان إسرائيل لصفقة تبادل الأسرى، التى حصلوا فيها على رفات جنديين وبعض المعلومات، وقدموا خمسة من أسرى حزب الله و199 من رفات الشهداء، وأنا أعتقد أن حزب الله يمتلك الإرادة ليفعل هذا.. وليس غريبا أن يحرر القدس بأذن الله فى العام القادم أو الذى يليه، أو فيما بعد، لكنى متأكدة أنه سيواصل المحاولة حتى يبلغ هدفه.
خلت جرائد الصباح من أخبار الحكومة اللبنانية الجديدة، وتوازنات الطوائف، والفتنة فى طرابلس، واختفت طلات جنبلاط والحريرى وجعجع والسنيورة فرادى أو مجتمعين، ليتألق وجه سمير القنطار الخارج من سجون إسرائيل هو وزملاؤه ومعهم وجه المقاومة،... الله كريم فعلا.
أعلم أنه ستزول حمرة الخجل بعد أيام وسيعود الحديث حول نزع سلاح حزب الله، وتفكيك شبكة اتصالاته.. وضرورة خضوعه لسيطرة الدولة المدنية فى لبنان.. ويا حبذا لو حاصص معهم حصة الطوائف... وكفى الله المؤمنين شر القتال، وسنجد من يطاوعه لسانه أيضا ليقول إن حزب الله أخطر على لبنان من إسرائيل.. وسيجد من يصدقه بحكم الهوى. المشكلة أن حديث المقاومة صار غريبا، وأن رايتها لم تجد سوى حزب الله يتحمل عبئها، وبرغم أن لبنان وكلنا معها نأكل على مائدة حزب الله نصرا وكرامة، إلا أنه لا مانع أن نقلب المائدة فى وجهه أثناء الهضم، وكأن المطلوب من حزب الله أن ينتصر لنا جميعا، ثم يطوى جناحيه تحت عباءة السنيورة بخجل، ويقلم أظافره ويجلس فى بيت الطاعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة