تزوج وعرف أن زوجته حامل فى توأم وفى شهرها السادس، ظهرت عليه العديد من علامات الإعياء، ذهب إلى الكثير من الأطباء الذين لم يتعرفوا على حقيقة مرضه، حتى طلب منه أحدهم إجراء مجموعة من التحاليل التى كشفت عن تحرك فيروس الإيدز فى دمائه بعد أكثر من ثلاث سنوات من الخمول. الأطباء والممرضون داخل مستشفى القصر العينى الفرنساوى، انتابتهم حالة من الذعر بعد تسلمهم النتيجة الإيجابية للعينة. علاقة جنس تجارى واحدة، كانت كفيلة بتحويل خالد من مواطن عادى إلى متعايش مع فيروس الإيدز، لم يتخيل ولو للحظة أن ينتقل إليه، فإنه حتى لم يسمع عنه قبل هذا اليوم.
زوجته تمسكت به، أجرت التحليل فكان سلبياً، الطفلان أيضاً بحالة جيدة وخاليين من الفيروس، المقربون منه فقط يعرفون حقيقة مرضه الذى يتعايش معه من ثلاث سنوات، تعرف خلالها على الأدوية المضادة للفيروسات، والتى يتعاطها بانتظام ويحصل عليها مجاناً من وزارة الصحة. الفرق بين خالد وغيره، أنه يعرف أنه متعايش مع فيروس الإيدز والباقيون لا يعرفون.
مواطن عادى تتشابه ملامحه مع العديد من المصريين، يختلف فقط فى دائه ودوائه فهو متعايش مع فيروس الإيدز، والذين هم ليسوا مجرد إحصائيات وأرقام بل بشر من لحم ودم، لهم حقوق فى مجتمع يعاقبهم على مرضهم.
ظهرت أول حالة إصابة بالفيروس فى مصر عام 1986 أى بعد ظهوره عالمياً بخمس سنوات، بدأ الفيروس بحالة واحدة ليصل فى 2008 إلى 2348 حالة، حسب الأرقام المعلنة من قبل وزارة الصحة، والتى تتضارب مع أرقام الأمم المتحدة والتى تصل إلى 12 ألف حالة، كما أنها تتضارب أيضاً مع أرقام منظمة الصحة العالمية التى تسجل 13 ألف حالة، فأين الرقم الحقيقى؟؟
الأرقام كثيرة متشابهة متداخلة من بينها نبحث عن الحقيقة، ما هى الأرقام الحقيقة للمتعايشين مع فيروس الإيدز فى مصر، هذا هو سؤالنا الأساسى فى حوارنا مع الدكتور مصطفى رزق مراد مسئول المتابعة والتقييم بالبرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز والتابع لوزارة الصحة.
كم عدد مرضى ومصابى الإيدز فى مصر؟
عدد الحالات المكتشفة والمسجلة منذ عام 1986 حتى 30 يونيه الحالى، 2348 حالة توفى منهم 1454حالة و1018 حالة منهم، ما زالوا على قيد الحياة منهم 1294 مصاباً و276 مريضاً، والفرق بينهم أن المريض ظهرت عليه علامات المرض، أما المصاب فهو حامل للفيرس دون مرض, منهم 81.2 ذكور و 18.8 إناث و21% يأخذون العلاج و79% لم يصلوا إلى مرحلة تعاطى الأدوية بعد.
ولكن منظمة الصحة العالمية وبرامج الأمم المتحدة، تؤكد أن عدد المرضى يصل إلى 13 ألف حالة؟
الأرقام دائماً محل خلاف، ويحدث حولها جدل واسع، لأنها ليست الأرقام المكتشفة بل هى الأرقام المتوقعة فى المجتمع، وهذا ما يحدث حوله الاختلاف فعلى سبيل المثال نحن فى البرنامج، نتوقع أن يكون مقابل كل حالة مكتشفة فى مصر من ثلاث إلى خمس حالات.
الجهات كثيرة ومختلفة، فالمنظمة لها رقم وصل إلى 3800 حالة مكتشفة ومكتب الأمم المتحدة وصل إلى 5000 حالة مكتشفة و9213 حالة متوقعة و13ألف حالة بالنسبة للأمم المتحدة، وهذا أعلى رقم تم توقعه حول عدد المعرضين للإصابة بفيروس الإيدز بمصر ومع أعلى رقم أيضاً لازالت مصر من الدول ذات الانتشار المنخفض للفيروس، بالمقارنة مع الدول المجاورة لها.
هل زيادة العدد له ارتباط بقيمة الدعم الذى تقدمه الجهات المانحة؟
نعم فى بعض الأوقات، هناك جهات ترفع من أعداد المرضى والمصابين والمتوقع إصابتهم،لزيادة قيمة الدعم الخارجى الذى تحصل عليه من المنظمات والموسسات الدولية المانحة،ولكننا خارج هذه القصة نحن نعلن الرقم المسجل والرقم المتوقع دون أى تحيز ولا خوف.
معنى هذا أكم لستم فى حاجة إلى هذا الدعم؟
بالعكس نحن فى حاجة ماسة إلى الدعم وفى حاجة إلى مساعدة الجهات المانحة، فالإنفاق على الوقاية أوفر بكثير من الإنفاق على العلاج، بالإضافة إلى أن مردودة على الشعب أكبر بمنع الإصابة من البداية وبناء على هذا نحن فى حاجة إلى دعم الجهات المانحة، لدعم البرنامج فى مجالات التوعية والتدريب للحفاظ على معدل الانتشار المنخفض الحالى .
ما هى الجهات التى تمدكم بالدعم؟
هناك عدة جهات منها الصندوق العالمى لمكافحة الإيدز والدرن والمالاريا فى مقدمة الجهات المانحة، وقد منح مصر منحة مدتها 5 سنوات قيمتها 11 مليون دولار، جزء كبير منها ينفق على شراء معدات للمعامل وجزء آخر ينفق على أدوية المتعايشين مع الفيروس ووصلوا لدرجة من الاحتياج إلى دواء بديل أغلى من الأدوية المتاحة، وذلك على إثر مقاومة الفيروس.
على الرغم من أن الأساس فى الدواء الاصلى المقاوم للفيروس، يتم شراؤه من ميزانية وزارة الصحة، ولكننا لا نستغنى أيضاً عن الجهات المانحة فى ضمان استمراية شراء الدواء.
هذا بالإضافة إلى برامج الأمم المتحدة، والتى تدعمنا كلاً فى قطاعه إلى جانب المعونة الأمريكية والتى تدعم جزءاً أيضاً فى البرنامج.
هل إجمالى التمويل من جميع الجهات المانحة مناسب؟
إلى حد ما يعتبر مناسباً، ولكن المهم أن يستمر.
هل التمويل هو الضمان الوحيد للاستمرارية فى وجود الدواء؟
من بدأ فى تناول أدوية مقاومة الفيروسات لا يستطيع توقيفها، ولكن الدواء قضية غير مرتبطة بالتمويل توفره وزارة الصحة من ميزانيتها بعيداً عن الجهات المانحة، ولكننا نستطيع توفيره حالياً، لأن العدد الذى يأخد الدواء لايزال منخفضاً، وهذا ما يجعلنا نستخدم التمويل فى جانب التوعية حتى لا يرتفع العدد الذى يحتاج إلى الدواء، لايزال التوعية أرخص فى تكلفتها عن تكلفة الدواء.
كم يكلف المريض الواحد الدولة من الأدوية شهرياً؟
حوالى 315 دولاراً للمريض الواحد فى الشهر، وذلك الرقم مرتفع بسبب شراء الدواء من شركات بدول تعترف بالملكية الفكرية للدواء، مما يؤدى إلى رفع سعره مثل الولايات المتحدة الأمريكية عكس دول أخرى لا تعترف بالملكية الفكرية مثل الهند والبرازيل، والتى ينخفض سعر الدواء فيها ليصل شهرياً إلى 115 دولاراً فقط.
متى بدأت الدولة وضع ألية لمكافحة فيروس الإيدز فى مصر؟
البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز فى مصر بدأ عام 1986، وهذا التاريخ هو تاريخ ظهور أول حالة إيدز فى مصر، والتى ظهرت بعد ظهور أول حالة إيدز على مستوى العام بخمس سنوات.
ومنذ البداية وضع البرنامج أهدافاً وسياسيات عامة واستريجيات محددة ليصل منها إلى هدف معين، وهو الحفاظ على معدل انتشار منخفض لفيروس الإيدز فى مصر.
من ثم ظهرت مرحلة جديدة لعمل البرامج وهى محاربة الوصمة والتميز ضد مرضى الإيدز.
هل الدم فى مصر آمن وفيروس الإيدز لا ينتقل من خلاله؟
تأمين سلامة الدم من أهم الاستراتيجيات التى انطلق منها البرنامج، فمعظم الناس كانت معتقدة خطأ أن الدم فى مصر غير آمن وهذا كلام غير صحيح، الدم فى مصر منذ أوائل التسعينيات آمن بدرجة كافية جداً جداً، فكل كيس دم يتم فحصه لخلوه من أربع فيروسات الالتهاب الكبدى B"" و"C" والزهرى والإيدز، وهذا الفحص يتطلب موارد مالية كثيرة جداً للتأكد من أن كيس الدم الذى يصل للمواطن آمن، وهذا ما تم التوصل النهائى إليه ونحن فى عام 2008 فلا يوجد أى خوف من الدم فى مصر.
متى تم تطبيق هذه الاستراتيجية؟
الوزارة وضعت هذه السياسة فى التعامل مع أكياس الدم منذ عام 1986 والتطبيقات الفعلية بدأت مع أوائل التسعينيات، ولحق بها العديد من الإجراءات الأخرى، مثل قرار 25 لسنة 2000 على يد الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة السابق بمنع استيراد الدم من الخارج، والاعتماد على كل وحدات الدم.
الدم فى مصر وصل لمراحلة من الأمان تؤكد أن نسبة انتقال فيرس الإيدز عن طريق كيس الدم وصلت إلى "صفر"، ولكن لدينا مشكلة أكثر خطورة وهى انتقال الفيروس عبر الدم، وهى مشاركة الإبر بين مدمنى ومتعاطى المخدرات عن طريق الحقن.
المستشفيات بيئة خصبة لانتقال العدوى بفيرس الإيدز؟
غير صحيح، فمن ضمن إجراءات البرنامج أيضاً تأمين سلامة الممارسات الطبية داخل المستشفيات عن طريق المنع والحد من العدوى داخلها بتدريب الطاقم الطبى وتأهيله للتعامل مع أجواء الفيروسات والقضاء على مساحات العدوى بين المرضى بعضهم البعض، وحتى بين الأطباء والمرضى، وبمقارنة النسب والأرقام الآن، وما كانت عليه فى السابق تنعكس مدى الإنجازات التى تحققت فى الحد من العدوى داخل إطار العلاج.
المتعايش مع فيروس الإيدز، لا يحصل على رعاية صحية عادلة داخل المستشفيات بسبب جهل الأطباء بحقوق المتعايشين مع الفيروس فما تعليقكم؟
للأسف هناك جزء كبير من الفريق الصحى سواء أطباء أو تمريض أو فنيين أشعة، يخشى التعامل مع المتعايشين مع فيروس الإيدز وهذا جزء من المعوقات التى تقابلنا ولكننا قمنا بتدريب مجموعة كبيرة على التعامل الصحى السليم والأمن مع المتعايش، ولكن الأزمة لاتزال قائمة.
ما هى أشكال التوعية التى تقدم من خلال البرنامج؟
مشكلة الإيدز ليست مشكلة وزارة الصحة فقط، بل وهى مشكلة جميع القطاعات داخل الدولة، نواجها بمشاركتهم وفى مقدمتهم الجمعيات الأهلية والتى لها دور مهم فى الوصول إلى الفئات الأكثر عرضه للإصابة ونقل الفيروس مثل أطفال الشوارع ومدمنى المخدرات والعاملات والعاملين بالجنس التجارى، بالإضافة للرجال اللذين يمارسون الجنس مع الرجال، وهى فئات يصعب عليها كجهة حكومية الوصول إليهم.
هناك جهات دولية تتعاونون معها؟
كثيرة مثل الجهات الدولية والمنظمات العالمية المانحة، التى تدعمنا كلا فى مجاله مثل منظمة الصحة العالمية واليونسكو واليونسيف وغيرها من منظمات الأمم المتحدة.
هذا بالإضافة إلى التعاون مع الوزارات المعنية المختلفة، وفى مقدمتها وزارة الأوقاف والكنائس، وهذا انطلاقاً من طبيعة الشعب المصرى والتى لديها حتى الآن ثقة كبيرة فى كلمة رجال الدين.
أين المواطن العادى من خريطة توعية البرنامج؟
السلاح الوحيد أمامنا الآن لمواجهة فيروس الإيدز هو التوعية التى يجب أن تصل إلى كل المواطنين من الفئات الأكثر عرضه حتى الفرد العادى والذى وصلنا له بمراحل عديدة بدايتها كانت مع الشباب من خلال التعاون مع وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالى والجامعات فى تنظيم ورش عمل حول فيروس الإيدز، بالإضافة إلى إدخال الإيدز إلى المنهج الدراسى فى مراحل الدراسة المختلفة.
نسعى حالياً للاستخدام وسيلة جديدة وهى الرسائل القصيرة على التليفونات المحمولة لتوعية أكبر قدر ممكن من المواطنين عن مخاطر الفيروس.
