قد تمر كلمة "البشعة" على المسامع مرور الكرام.. لا تعرف معناها أو ما حكايتها، على الرغم من ذيوع شهرتها فى المجتمعات البدوية، كونها تحسم بعض الخلافات من أول جلسة، ولا يمكن الاستئناف على أحكامها، أو نقضها، كونها نهائية فى العرف.
ظهرت البشعة وسط المجتمع البدوى فى الأربعينيات من القرن الماضى لاكتشاف مرتكبى الجرائم، وإصدار الحكم عليهم، وبمرور الوقت تحولت البشعة إلى محكمة الفقراء التى لا تخطئ الحقيقة، ولا تحتاج إلى شهود نفى أو إثبات، فأحكامها نهائية إما بالإدانة أو البراءة.
والبشعة عبارة عن قطعة من الصاج تتخذ شكل "طاسة" قلى السمك واشتق اسمها من البشاعة والفظاعة الخاصة بالموقف، حيث توضع الطاسة على الجمر حتى يحمر لونها، ويطلب من المشتبه فيه "لحس" الطاسة بلسانه، فإذا كان بريئاً لم يصبه سوء، فيما يصاب فورا إذا كان مدانا.
والبشعة تحسم العديد من القضايا فى المجتمعات البدوية أو الريفية، منها: القتل، أو السرقة، أو هتك العرض. ويقصد الملايين من البشر منطقة العاشر من رمضان بالإسماعيلية للتبشيع، ولحسم العديد من القضايا. وحظيت قرية العاشر من رمضان - وأغلب سكانها من البدو - بشهرة واسعة بسبب البشعة.
حكاية الشيخ عويمر
وتشتهر منطقة القناة وسيناء بأنها قبلة لمستخدمى البشعة أو من يلجأون إليها لحل الكثير من القضايا بدلا من اللجوء لساحات المحاكم، وليس صحيحا أن من يلجأون إلى البشعة هم البسطاء، فقرية العاشر من رمضان بالإسماعيلية تقصدها شخصيات عامة وفنانون ورجال أعمال يلجأون إلى البشعة لحسم العديد من القضايا، ويوجد فيها أشهر "مبشع" فى منطقة القناة وسيناء، وربما فى مصر كلها، وهو الشيخ "عويمر أبو عامر".
ينتمى الشيخ عويمر أبو عامر (من مواليد 1940) إلى قبيلة عياد بمنطقة شبه جزيرة سيناء، ويقول إنه ورث تلك المهنة عن والده منذ عام 1990، مفيدا أن عمر هذه المهنة يصل إلى نحو 250 عاما.
البشعة فى مصر
حول دخول البشعة مصر، قال الشيخ عويمر إن جده الشيخ عويمر أبو عياد، أول من عرف تلك المهنة وأدخلها إلى مصر، حيث كان جده يعمل قصاص أثر مع الفريق محمد نجيب فى قوات حرس الحدود، وأثناء سيره مع صديق له غلبه النعاس فنام قليلاً ولما استيقظ لم يجد الجمل واتهم صديقه بسرقته لكن صديقه رفض وأنكر، وفى المساء نام جده ورأى رؤية، حيث جاءه رجل يأمره بتبشيع صديقه "بمحمصة البن" وعندما عرض ذلك على صديقه خاف وتراجع واعترف بسرقة الجمل.
طقوس التبشيع
عن طقوس التبشيع يقول الشيخ عويمر أبو عياد، إن مجلس البشعة يضم المبشع وشاهدين من طرف المتهم وشاهد من طرف المجنى عليه، ويتم بعد ذلك كتابة إقرار على المتهمين وتدوين أسماء الشهود الحاضرين وموضوع القضية والتاريخ وأطراف النزاع. ويقول من ينوب عن المتبشع: "وضعت أخى فى بطنى، بأنه لا يسرق ولا سلط عليه بلسانه، ولا له شريك فى سرقته، والله خير الشاهدين".
أشهر القضايا
حول أشهر القضايا التى صادفت الشيخ عويمر فى حياته، يقول: كانت هناك قضية سرقة خزينة فى هيئة قناة السويس، واتهم فيها 11 شخصاً من عمال الورديات، وتم تبشيعهم جميعاً وظهر السارق من بين أحد العمال، وكان العامل الأخير الذى تم تبشيعه. كما كانت هناك قضية قتل من السويس اتهم فيها أكثر من شخص، واتضح من خلال البشعة أن القاتل هو ابن خال القتيل.
وقال الشيخ عويمر عن أطرف القضايا، إن فنانة شهيرة كانت قد تعرضت لسرقة 30 ألف جنيه من شقتها، وأحضرت معها خادمتها وشقيقتها، وتم تبشيع الاثنتين، وكانت المفاجأة أن الأخت هى السارقة، وعندها خلعت الفنانة حذاءها وضربتها.
أتعاب القاضى
وحول أتعاب قاضى البشعة، يقول الشيخ عويمر أبو عامر، إن أشهر زبائنه من مصر والدول العربية، ويتقاضى فى الحالة الواحدة 65 جنيها.
أحكامها نهائية ولا تحتاج شهود نفى أو إثبات
"البشعة" .. قاض عرفى يرفض الاستئناف والنقض
الخميس، 17 يوليو 2008 08:02 ص
الشيخ عويمر أبو عامر أثناء تبشيعه أحد المتهمين
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة