د.سعيد اللاوندي

سوريا" و"إسرائيل" يكسبان رهان الاتحاد من "أجل المتوسط"

الأربعاء، 16 يوليو 2008 04:27 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
للإنصاف، لابد من أن نعترف بأن ما جرى على هامش قمة "الاتحاد من أجل المتوسط" هو أفضل كثيراً مما جرى داخل القمة ذاتها.. فلقد تمكن الرئيس الفرنسى ساركوزى من تحقيق اختراق غير مسبوق فى منطقة الشرق الأوسط تغيرت على أثره ملامح العلاقات الإقليمية .. فمن كان يعرف أن يتم الشروع ـ فعلياً ـ فى تطبيع العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الشقيقين "سوريا ولبنان".. فهذا أمر جلب ما كان يتصور أن يتم بهذه الصورة التى بدت وكأنها عقوبة مع أنها لم تكن كذلك فى يوم من الأيام.. وفى قناعتى إذا لم يتم سوى إحراز هذا الهدف .. من هذه الظاهرة المتوسطية، فهو بحد ذاته انجاز كبير.


وإذا أضفنا إلى ذلك "الحلحلة" التى باركها الرئيس ساركوزى بشأن العلاقات السورية الإسرائيلية، من خلال الثناء على المباحثات غير المباشرة التى تجرى منذ أسابيع بين دمشق وتل أبيب، بل وفى بعض الروايات التقدم بعرض لاستضافة باريس هذه المباحثات عندما تصبح مباشرة. المكسب الكبير هو أن العلاقات الفرنسية السورية اكتسبت بطابع من الحميمة جعلت الرئيس ساركوزى يعبر عن سعادته بدعوة نظيره السورى له بزيارة سوريا فى موعد أقصاه منتصف الشهر المقبل.

وضمن المطالب السورية التى هطلت على الرئيس بشار الأسد كالمطر أن باريس طالبت أن يكون لدمشق دور كبير فى أحداث التهدئة التى تجرى على قدم وساق فى الشرق الأوسط.. وليس خافياً "على أحد أن الرئيس الفرنسى يرمى من وراء ذلك إلى إتمام سوريا فى دور وساطة عملية سواء بين الفصائل وحماس" من جانب والسلطة الفلسطينية ومحمود عباس من جانب آخر، باعتبار أن سوريا تحتضن ممثلى بعض من هذه الفصائل.. أو مع إيران التى تربطها بسوريا علاقات طيبة، وقد جاء ذلك فى مطلب فرنسى واضح وصريح، وهو أن تقوم دمشق بدور "حمامة السلام" بين (أوروبا وأمريكا) وإيران.. بإقناع طهران بضرورة إعطاء معلومات إضافية تراهن بها على أن برنامجها النووى سيكون مأمونا ولا خطر منه لا على إسرائيل ولا على دول المنطقة.

ولكن ندرك أهمية ما جرى على هامش قمة الاتحاد من أجل المتوسط علينا أن نتذكر حالة الانسداد التى كانت وصلت إليها العلاقات السورية الفرنسية فى الأشهر القليلة الماضية، وربما منذ وصول ساركوزى إلى مقر الإليزيه (رئيساًَ) والاتهامات التى دفع بها سوريا بتعطيل التوافق بين الأحزاب والتيارات السياسية فى لبنان. وليس خافياً أن (الحلحلة) التى حدثت فى لبنان بعد طول احتقان وتأزم، لعبت فيها قطر وسوريا الدور الرئيسى.. ولقد كان (الضوء الأخضر) القادم من دمشق هو الذى أمضى إلى ما نحن فيه اليوم من حالة (ارتخاء) فى لبنان.

وقد يكون صحيحاً أن الرئيس ساركوزى يراهن على تسخين علاقاته على سوريا على حساب (تيريد) العلاقات السورية الإيرانية، بهدف ضرب التحالف السورى. الإيرانى لكننى لا أميل إلى إمكانية حدوث ذلك، فسوريا التى حوصرت سياسياً ودبلوماسياً لفترة طويلة، لا تميل أن تضحى بصداقتها مع إيران التى كانت القشة الوحيدة التى نتعلق بها إبان مرحلة العزلة المفروضة عليها.

فالرهان على تعطيل المياه الجارية بين دمشق وطهران هو رهان صعب، رغم الدرس الذى يقول لا صداقات ولا عداوات دائمة فى السياسة! وأن سوريا دبلوماسياً تعيش واحدة من مراحلها الإيجابية، فلقد خرجت من عنق الزجاجة مرتين، الأولى عندما نجحت فى التئام القمة العربية فى دمشق، وكانت العراقيل كثيرة، ورغبة بعض الدول فى تعطيلها لم تكن تخفى على لبيب.. والثانية عندما تحقق انفتاحها الكبير على لبنان، وإسرائيل، وفرنسا .. وأحسب أن هذه الخطوات المهمة التى قطعتها سوريا دبلوماسياً هى (إشارة إيجابية) تصلح أن تكون أرضية تتأسس عليها علاقات سورية أمريكية جيدة مع قدوم الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض، وإذا وضعنا فى الاعتبار أن قمة الاتحاد من أجل المتوسط هى قمة اقتصادية بدائية بالدرجة الأولى، ولن تعالج قضايا النزاعة الفلسطينى الإسرائيلى بالدرجة الأولى، وبالتالى لن تتمخص إلا عن مجموعة من البرامج فى إطار التعاون فى حوض المتوسط.. فضلاً عن إرساء الهياكل والأجهزة الضرورية لعمل الاتحاد من أجل المتوسط .. وبغض النظر عن المكتسبات الصغيرة التى قد تحصل عليها بعض الدول، مثل مصر التى تنقسم الرئاسة الحالية مع فرنسا وتستضيف فى عام 2010 القمة الثانية أو تونس التى تريد أن تكون مقراً للهياكل التنظيمية للاتحاد، والمغرب التى تود أن يكون السكرتير العام والجنوبى من أبنائها.


أقول إنه بغض النظر عن هذه المكتسبات الصغيرة أو المباشرة، فإن سوريا هى البرامج الأكثر تميزاً بالنظر إلى انفتاحها دبلوماسياً على فرنسا ولبنان.. لكن هذا لا يمنعنا من تقرير حقيقة مؤلمة، وهى أن الحصاد النهائى والذى سيكون غزيراً ووفيراً اقتصادياً وسياسياً بالتبعية، سيكون من نصيب إسرائيل التى ستبنى لها، بمقتضى برامج التعاون التى ستقررها قمة الاتحاد من أجل المتوسط، أن تحقق تطبيعاً مجانياً ـ فعلاً لا قولاً ـ وأن يصبح حلمها واقعاً وهو عمل (مزج) بين العقل الإسرائيلى والأموال العربية "النفطية تحديداً" والعمالة المصرية الرخيصة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة