شن الدكتور عمار على حسن هجوماً حاداً على المثقفين والكتاب المصريين، مؤكداً أنه يعرف كثيراً منهم يعتمدون فى ترويج وانتشار كتبهم على قدرتهم فى الضغط على الجهات والمؤسسات الحكومية لمصادرة كتبه، حتى يضمن لها الذيوع والانتشار.
وقال إن بعضهم يقدمون فى أنفسهم، بلاغات إلى مباحث أمن الدولة حتى تتم مصادرة كتبهم، طمعاً فى شهرة زائفة أو أملاً فى مكاسب مالية، وفى الجانب الآخر يمارس بقية الكتاب على أنفسهم جميع أشكال الرقابة الذاتية لدرجة تحجب إبداعهم، وتقيده فلا يصلنا منه سوى الفتات الذى لا يسمن ولا يغنى من معرفة.
جاء ذلك فى الندوة التى أقامها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بصالون ابن رشد الثقافى الاثنين، وعلى الرغم من كون موضوع الندوة التى أقامها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بصالون ابن رشد الثقافى كان هو الحجب والمصادرة التى تمارس ضد الكتاب والمثقفين، تم حجب ومصادرة وجود الآخر ـ موضوع المناقشة ـ ولم يحضر أى ممثل عن المؤسسة الحكومية أو الدينية التى اتهمهما المحاضرون فى الندوة "الشاعر حلمى سالم والمفكر الإسلامى جمال البنا والمحلل الدكتور عمار على حسن، وعصام حسن المدير التنفيذى للمركز"، بالتضييق على المثقفين وتكميم أفواه العقول المستنيرة فى مصر.
وقال جمال البنا إن حرية الفكر والتعبير فى الإسلام مقدسة، ولا يمكن لدستور أو مؤسسة رقابية حكومية أو دينية أياً ما كانت المساس بها ومصادرة حق الإنسان الطبيعى فى التفكير وتحويل مخزونه العقلى إلى مخزون ورقى فى متناول الجميع ثم تلا الآيات الكريمة: "من اهتدى فقد اهتدى لنفسه ومن ضل فعليها" "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".
أكد البنا أنه إذا كان هناك شك فى وجود الله فليس هناك دين، وإذا كان هناك شك فى الحرية فليس هناك مجتمع من الأساس، وحدد البنا الحل فى هذه المشكلة بإلغاء جميع أشكال الرقابة على الفكر والتعبير والرد على الفكر بالفكر والبرهان بالبرهان لا بالسجن والمصادرة فكرامة الانسان فى حرية فكره، وأضاف "لا أزهر ولا مجمع بحوث ولا دستور ولا رئيس جمهورية يملك هذا الحق ثم تلا: "أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون".
اعتبر الشاعر حلمى سالم أن مجمع البحوث الإسلامية، هو الذى يحكم مصر فهو يستشار فى كل أمور حياتنا المدنية قبل الدينية، يفتى فى تعيين السيدات فى القضاء وتحديد النسل وأمور الحرب والسلام والاستيراد والتصدير، وفى كل شىء.
وقال سالم إن الذين يكفرون المستنيرين فى مصر، يستندون فى ذلك على آيات من القرآن والأحاديث النبوية ويغلقون عقولهم أمام إمكانية تأويل النصوص وتفسيرها، بما يتناسب مع العصر مضيفاً "لسنا فى حاجة إلى تجديد الفكر الدينى من شلة الإسلاميين الجدد من أمثال طارق البشرى الذى أصدر فتوى منح بموجبها لأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، الضبطية القضائية فى أى مكان ،على الرغم من أنه بدأ حياته كاتباً يسارياً، ولسنا فى حاجة إلى تجديد أصلاً، لأن تجديد الخطاب الدينى بدأ منذ عهد على بن أبى طالب دون فائدة.
وأوضح سالم كيف نعانى منذ 200 سنة، من ازدواجية المرجعية الدينية والمدنية فواحدة تشدنا إلى الأمام والأخرى تشدنا إلى الخلف، وقال إن الحل يكمن فى إعادة النظر فى وجود مجمع البحوث الإسلامية من الأساس لا فى تقنين صلاحياته، لأن الدين لم يعد لله بل أصبح لرجال الكهنوت، ولم يعد الوطن للجميع بل أصبح لرجال السياسة وهذا فتح الباب أمام الخيانة الوطنية لكى يكون الحاكم والمواطن الأفغانى أقرب إليهم من الحاكم والمواطن المصرى العلمانى أو المسيحى، واختتم سالم كلامه بدعوة الجميع إلى مواجهة جميع أنواع وأشكال الحجب والمصادرة بكل الطرق وقال "أينما تكون مصالحكم فثمة شرع الله".
وفرق الدكتور عمار على حسن بين ثلاثة أنواع للحريات، وهى حرية التفكير وحرية التعبير وحرية التدبير، وقال إن المجتمع كلما ازداد رقياً، كلما ضاقت الفجوة بين الثلاثة، مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا توجد حرية مطلقة وأن المطلق الوحيد فى هذه الدنيا هو الله والموت، لكن لا يمكن أن نجعل التفكير معبراً عن الحقيقة وسط كل هذا الزخم من القيود والرقابة الذاتية التى يمارسها الكتاب على أنفسهم والخارجية التى تمارسها المؤسسات الحكومية والهيئات الدينية.
وقال الدكتور عمار إن أمامنا ثلاثة خيارات، أولها أن نضع قيوداً صارمة على كل إبداع يخرج من ذهن أى مثقف هذه كارثة أو أن تكون هناك حرية مطلقة للنخبة أو أن تكون هناك حالة من الميوعة، كالتى نعيشها الآن نمنح الحرية أحياناً ونمنعها أحياناً أخرى بحسب أمزجة المصادرين، وأكد حسن أن الكتب التى تتم مصادرتها تنال حظها من الشهرة والذيوع أكثر من غيرها حتى ولو كانت كتباً فى منتهى التفاهة وأقسم الدكتور عمار بأن وقائع تقديم المثقفين بلاغات فى أنفسهم وصلت إلى حد اللامعقول وأن هذه هى الطريقة المتبعة والمعروفة لديهم لترويج كتبهم.