حسب الأرقام المعلنة من قبل وزارة الصحة، وصل عدد مرضى الإيدز فى 2008 إلى 2348 حالة، لكن هذا الرقم يتضارب مع أرقام الأمم المتحدة التى تصل بعدد المرضى إلى 12 ألف حالة، وتتضارب مع أرقام منظمة الصحة العالمية التى تسجل 13 ألف حالة، فأين الرقم الحقيقى؟ سؤال نطرحه بحثاً عن رقم نهائى، يعتمد عليه فى مكافحة المرض والتوعية بالتعامل الأمثل مع المرضى به.
"معا نستطيع" شعار رفعته الدكتورة خديجة معلى مستشارة سياسيات الإيدز، بالبرنامج الإقليمى للإيدز فى الدول العربية، التى تحلم بأن تصبح الدول العربية خالية من الإيدز عام 2015، فهل يتحقق حلمها رغم تضارب الأرقام والإحصائيات حول المرض؟
اليوم السابع التقى الدكتورة خديجة معلى فى الحوار التالى...
من الأرقام نبدأ... كم عدد المتعايشين العرب مع فيروس الإيدز؟
يتراوح عدد المتعايشين مع فيروس الإيدز على مستوى الوطن العربى، ما بين 200 ألف إلى مليون ونصف شخص، وكل دولة يتحدد نصيبها على حسب تقديراتها والإحصاءات الدورية التى تقوم بها.
كم يبلغ عدد المتعايشين مع الفيروس فى مصر تحديداً؟
عدد الحالات المكتشفة فى مصر وصل إلى 2300 حالة، أما التقديرات فتصل إلى 5000 حالة، وعموماً نحن نحترم أية دولة تعلن عن أرقامها، ولا نتدخل فى فرض أو إعلان أرقام أخرى، فالأرقام حول المرض والمتعايشين معه ترجع إلى الدولة وسيادتها، فنحن لا نتدخل فى هذا القرار.
التضارب واضح بين الأرقام التى تعلنها وزارة الصحة المصرية من جانب، والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية من جانب آخر، فأين الحقيقة؟
الأرقام الحقيقية هى أرقام الحالات المكتشفة والمسجلة فعلياً، أما التضارب فيظهر فى الحالات المتوقعة، فمنظمة الصحة العالمية على سبيل المثال، تتوقع وجود عشر حالات، مقابل كل حالة مكتشفة أما السودان على الجانب الآخر كدولة، فتتوقع وجود 30 حالة مقابل كل حالة مكتشفة.
وبناء على هذا فالمشكلة الأخطر من الأرقام أن 90% من الأشخاص من حاملى الفيروس، لا يعرفون أنهم مرضى بحكم الوصم والتمييز والعزوف عن الفحص والتحليل، فمن غير المنطقى أن يكون إجمالى المترددين على مراكز الفحص والمشورة الطوعية السرية المجانية 20 شخصاً فقط شهرياً، هذه هى المشكلة الحقيقية الأخطر من مشكلة الأرقام، ودورنا كبرنامج إنمائى هو تهيئة البيئة للتحليل دون وصم ولا تمييز، لنتعرف على الأرقام الحقيقية، وفى هذه اللحظة نقطع الشك بالأرقام.
ما هى طبيعة عمل البرنامج؟
البرنامج الإقليمى للإيدز فى الدول العربية، هو برنامج تابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى "undp" معنى بالإيدز من منظور إنسانى تنموى، وليس من منظور صحى فقط يعمل عن طريق حماية حقوق المتعايشين مع الفيروس.
ونحن نعمل فى اتجاهين متوازيين، أولهما محاربة وإيقاف ووصم المرضى فى البلاد العربية، وثانيهما مناهضة التمييز ضد الأشخاص المتعايشين مع الفيروس من خلال شراكتنا مع الإعلام من ناحية والقيادات الدينية من ناحية أخرى، لتوصيل رسالة خالية من الوصم والتمييز إلى أكبر القطاعات الممكنة لتغيير سلوكياتهم فى التعامل مع الفيروس والمتعايشين معاً.
متى تم إنشاؤه؟
أنشئ البرنامج فى سبتمبر عام 2002 بدولة جيبوتى، ثم انتقل بعد سنة إلى القاهرة ليغطى 20 دولة عربية، تنطوى كلها تحت مظلة جامعة الدول العربية.
كيف تجاوبت الدول مع البرنامج؟
حتى قبل وجود البرنامج، هناك دول كانت سباقة فى التحرك كدول شمال أفريقيا، المغرب والجزائر وتونس، ومن بعدها جاءت السودان وجيبوتى انطلاقاً من ضخامة أرقام المتعايشين مع الإيدز فيها، أما ثالث فريق فهو دول المشرق لبنان وسوريا، ومصر التى تحاول أن تلحق بركب مكافحة الفيروس حالياً ودول الخليج بتحركها القوى للمكافحة فى قطر والبحرين والإمارات وعمان.
ولكننا كبرنامج نتعاون بنفس الطريقة مع كل الدول، بناء على طلبات الدول وقناعتها دون فرض.
ما هى أهم الاستراتيجيات الخاصة بالبرنامج فى الفترة المقبلة؟
من أهم الخطوات إلى نسعى إليها الآن، سن قانون خاص بحماية حقوق المتعايشين مع الفيروس، وبالفعل خرج إلى النور فى جيبوتى واليمن، وأملنا فى أن تأخذ كل الدول العربية منحى حماية حقوق المتعايشين بشكل رسمى و قانونى.
ما هى طبيعة العلاقة بينكم وبين الحكومات العربية؟
مكاتبنا بجميع الدول العربية، تتعامل بطريقة مباشرة مع الحكومات العربية من خلال البرامج الوطنية لمكافحة الإيدز، والتى ساهمنا كبرنامج دولى فى إقامتها.
ومن هنا تنشأ شراكة قوية بيننا وبين الحكومات، خاصة أنها هى الجهات الأساسية والرسمية التى توفر الخدمات للمتعايشين مع الفيروس مجاناً مثل التحليل و تقديم الدواء.
هل قرارات وتوصيات البرنامج، ملزمة بالنسبة للدول؟
نحن لا نفرض أى برنامج تعاون على أية دولة ونبدأ عملنا مع الدولة، بناء على طلبها ونتحرك حسب طلبات الدول وتحمسها، فكل نشاطاتنا تنبع من احتياجات الدول وطلباتها، وهدفنا فى النهاية واحد هو إيقاف الإيدز فى وطننا العربى من أجل شعبنا العربى، بأجندة واضحة تعمل بطاقم عمل عربى، ونحن على استعداد للذهاب إلى كل الدول لنلبى طلباتها.
ما هى قيمة التمويل الذى تحصلوا عليه؟
التمويل مازال ضئيلاً جداً، لأن منطقتنا مازالت قليلة الإصابة، وهذا شىء فى حد ذاته جيد، ولكنه يحرمنا من تلقى التمويلات التى نحتاجها لإيقاف الإيدز الآن، وهناك 14 دولة عربية تحصل على دعم من الصندوق العالمى لمكافحة الدرن والإيدز والملاريا وحصلت مصر موخراً إلى 10 ملايين دولار منه.
ولكن هذه التمويلات تأتى مباشرة إلى الحكومات وليس للبرنامج أية علاقة بها، باستثناء بعض الدول التى يتولى فيها البرنامج إدارة الدعم.
هذا بالنسبة للدعم الخارجى، ولكن من يمول البرنامج نفسه؟
الممول الأساسى للبرنامج هو الأمم المتحدة التى دعمته بـ 400 ألف دولار هذا العام، بالإضافة إلى تمويل ضخم نحصل عليه من منظمة الأوبك إلى جانب تمويل من الصندوق اليابانى، ولكن حتى الآن مازال التمويل ضعيفاً، ونعتمد عليه من الجهات الدولية المانحة دون أى دعم عربى، فالدول العربية لا تمول مشاريع الإيدز، ولا تساهم بالقدر الكافى الذى يجب أن تساهم به، على الرغم من أن لديها فرصة ذهبية للإيقاف الإيدز الآن، أما بعد فترة فحتى أضخم التمويلات لن تجدى.
لماذا لا يوجد تعاون بينكم وبين الدول الغنية؟
نحاول أن نقيم شراكة مع بعض هذه الدول مثل ليبيا وقطر والإمارات، ولكن هذه الشراكة ذات طابع محلى تحدد تمويلاً يصرف داخل إطار أنشطة الدولة وفاعليتها، فلم يتخذ الدعم حتى الآن الطابع الإقليمى الذى يتيح خدمة البلاد الفقيرة فى المنطقة، ولكن أمالنا أن يتوفر ذلك خاصة بشراكة دول الخليج.
هل هناك ارتباط بين قيمة التمويل الذى تمنحه الجهات المانحة وعدد الحالات الموجودة فى كل دولة؟
يتماشى التمويل دائماً مع الأرقام التى لا نعتبرها مهمة حالياً، فالأهمية الأكبر فى التأكيد على قيام نشاطات لديها تأثير فى الحد من العدوى عن طريق نشر الوعى بين الفئات الأكثر عرضه والتوجه لها بالرسالة والوسيلة الصحيحة، بالإضافة إلى الاهتمام بالسلوكيات الخطرة ونحاول القضاء عليها وأن لا نتصور أن أى تمويل مهما كان حجمه بإمكانه أن يغير الواقع.
هل هناك علاقة بين الإعلان عن أرقام ضخمة ونسب الحصول على التمويل؟
ممكن... ولكن الأرقام ليست مهمة، فالفيروس من الممكن أن يبدأ وجوده بحالتين فقط ليصل إلى 20 ألف حالة، طالما أن المتعايشين موجودون وطرق العدوى موجودة، لذلك يجب وضع استراتيجيات عمل بعيدة المدى فى الوطن العربى، للقضاء على الفيروس.
هل لكم دور فى ضمان توفير أدوية الإيدز؟
ليس لنا أية علاقة كبرنامج إنمائى بتوفير أدوية الإيدز، فهذه مسئولية منظمة الصحة العالمية، ولكن حتى الآن توفير الدواء مسئولية الحكومات وعليها توفيره مجاناً لكل المتعايشين مع الفيروس ولكن منظمة التجارة العالمية تعطى العديد من الصلاحيات إلى الدول الأعضاء لتيسير عملية شراء واستيراد الدواء.
ويجب أيضاً على الدول وضع استراتيجيات طويلة الأمد، تضمن استمراريتها فى توفير الدواء لأن المتعايش مع الفيروس، إذا بدأ تعاطى الدواء فلن يستطيع إيقافه.
أكثر الفئات المعرضة للإصابة، هن السيدات فما هى طبيعة عملكم معهن؟
80 % من السيدات المصابات حالياً فى الوطن العربى، أصبن فى إطار الزواج الشرعى، وهذا يرجع إلى طبيعة المرأة العربية التى تعرف معلومات مغلوطة عن مرض الإيدز، بالإضافة للظروف الاجتماعية المحيطة بها والتى تسلب منها العديد من حقوقها، فعلى سبيل المثال ليس من حقها طلب ممارسة الجنس الآمن مع زوجها أو حتى أن تطلب منه إجراء التحليل للتأكد من سلامته، فما زالت المرأة العربية بلا حول ولا قوة أمام تابوهات التقاليد الاجتماعية، ولكننا فى ظل كل هذه الظروف، نحاول الوصول إليهن من خلال الجمعيات الأهلية المهتمة بحقوق النساء.
هل الجمعيات تقوم بعمل كاف؟
بالطبع لا، خاصة بالنسبة للوصول إلى السيدات، فهناك مجموعة هائلة من السيدات بمختلف درجاتهن الاجتماعية والثقافية والتعليمية، لا تصل لهم المعلومة الصحية والسليمة عن فيروس الإيدز، وبناء على هذا نحن كبرنامج إقليمى نعمل فى تأمين وتوفير المطالبة بحقوق النساء فى حياة آمنة.
لا للوصم أو التمييز ضد مرضى الإيدز - تصوير: سامى وهيب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة