إن الحديث عن حزب الله يشبه الاقتراب من "برميل بارود"، إذا لم يقم الصحفى أو الباحث بالتعامل معه بحرص، كما أن الكتابة عن الماضى الإرهابى لحركة حزب الله التى ظهرت بعد اقتحام إسرائيل للبنان فى 1982، وإلى أية درجة كانت العلاقات قوية بين الحركة ومموليها فى إيران وسوريا وأنها مستمرة حتى الآن، قد ترسل كاتبها إلى الأبد إلى معسكر عملاء الغرب فى الشرق الأوسط.
فى المقابل، فإن الحديث عن درجة استقلالية الحزب فى اتخاذ القرارات، وإظهار مدى تأثير أنشطتها الاجتماعية والسياسية التى ضمنت لشريحة كبيرة من المجتمع اللبنانى، تمثل أكثر من ثلث عدد السكان، وهم الشيعة، يعنى التعرض لنيران غضب المعسكر الآخر.
وقد تعود قلة الدراسات الجادة المتاحة حول هذا الموضوع إلى ذلك السبب. إلا أن هناك سبباً آخر، قامت بطرحه الباحثة سابرينا ميرفن فى مقدمة كتاب "حزب الله، دراسة واقع" الصادر عن دار نشر Actes Sud، وهى الشاهدة عليه بعد انتظارها الطويل للحصول على إذن الحزب، الذى طالبها به بعض المجاهدين "المدنيين" لتتمكن من التحدث معهم بحرية.
تشير سابرينا أن "حزب الله لا يسمح لأحد بسهولة من الاقتراب منه أو الحديث عنه أو تحليله، وذلك لأنه يعيش كحركة مقاومة فى حرب دائمة.. لأنه محاط بأعدائه طوال الوقت.. لأنه يحمل بالتأكيد العديد من الأسرار التى يسعى للحفاظ عليها.. لأنه يحاول خاصة الحفاظ على رسالته وصورته أمام العالم".
حرصت سابرينا الباحثة داخل المعهد الفرنسى لدراسات الشرق الأوسط، بمشاركة 15 باحثاً آخرين ساهموا فى كتابة "حزب الله، دراسة واقع"، على رسم صورة حزب الله كما يظهر اليوم وليس كما كان فى مراحل أخرى من تاريخه، حتى إذا كانت تظهر من وقت لأخر إحالات إلى الماضى، ولكنها ضرورية لفهم الحاضر.
وقامت سابرينا بنفسها بصياغة الفصول التى تتحدث عن علاقة حزب الله بإيران، وكذلك "دين حزب الله"، خاصة موقفه من مبدأ "ولاية الفقه"، المعمول به فى طهران منذ 1979 والذى يجعل من علماء الدين قادة البلاد.
يضم الكتاب العديد من الفصول الأخرى، منها فصل عن السيرة الذاتية لقائد حزب الله، حسن نصر الله "ذو الكاريزما المميزة"، وفصل آخر عن وسائل الإعلام التابعة لهذه الحركة (قناة المنار، الإذاعة التابعة له، وجرائده)، كيف تعمل وما هى الخدمات التى تقدمها، مما يعكس استحواذ فكرة السلطة على قادة الحركة. ويضم الكتاب فصول أخرى عن الخدمات الاجتماعية التى يقوم بها حزب الله، منها إنشاء مدارس ودور حضانات ومستشفيات ومعاهد خيرية ومؤسسات مالية، جميعها تتبع له مباشرة، وتؤكد بدورها إلى أى مدى أصبح حزب الله واقعاً اجتماعياً لا مفر منه، بعيداً عن صورة "المنظمة الإرهابية" التى تشكو منها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بشكل دائم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة