عماد عمر

إعلام باليونيفورم

الإثنين، 14 يوليو 2008 12:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشروع البث الإعلامى الجديد لا يجب أن يكون محاولة أخرى لتوحيد الزى "اليونيفورم" فى الإعلام، وجعله أحادى البعد واللون والطعم.. إذا بقى له طعم من الأساس. وإلقاء نظرة سريعة فى الصباح على الصحف، خاصة القومية منها، أو تمضية دقائق أمام شاشات قنوات ماسبيرو، يمثل دليلا يصدمنا كل يوم ويؤكد على أن الإعلام المصرى فى حاجة إلى بث حياة جديدة فيه، تعيد أمجاده وتطلق طاقاته وتنظم أوراقه المبعثرة. لكن الخلاف يكمن فى اتجاه مثل هذا التنظيم.. هل يكون بتوسيع مساحة الحرية ولفت أنظار الإعلام إلى أهمية الدخول إلى المساحات والمناطق التى يهرب منها؟ أم بفرض مزيد من القيود وإبقاء الأقلام والكاميرات على أبعد مسافة ممكنة من مناطق بعينها؟

وخذ مثلا حادث عزبة الكلافين فى بنها، والذى راح ضحيته 13 مواطنا فى مذبحة مروعة صدمتنا جميعا. الصحف القومية تعاملت مع الأمر على أنه خبر يصلح بالأساس لصفحة الحوادث، ورغم المساحات الكبيرة التى تفردها تلك الصحف للتحقيقات والحوارات والندوات المملة والمكررة، لم تجد فى ذلك الحادث ما يستدعى البحث فى خلفياته وما قد يعنيه من انعدام ثقة بعض المواطنين فى إمكانية أن ينالوا حقهم بالقانون، وبالتالى لجأوا لاستخدام السلاح لفرض ما يريدون.

ولم يجد الإعلام القومى فى المسألة ما يستدعى القلق والمساءلة لأجهزة الأمن عن كيفية توافر السلاح فى أيدى بعض الناس بهذه البساطة التى تسمح بإزهاق أرواح 13 فردا فى مشاجرة فى قرية غير بعيدة عن القاهرة. وقد نشرت الصحف أيضا بفارق أيام عن مذبحة عزبة الكلافين خبرا آخر عن حادث فى قلب القاهرة هذه المرة، حيث اقتحم عشرات الأهالى محطة بنزين فى شبرا واعتدوا على العاملين بها وأحدثوا بها تلفيات هائلة. وبصرف النظر عن السبب إلا أنه كان مثالا آخر على ضعف ثقة رجل الشارع فى الاحتكام للقانون.

والإعلام الذى يضع مثل هذه الأمور فى صفحات الحوادث ولا يهتم بأبعادها المتعددة والخطيرة يحتاج إلى إيقاظه من سباته العميق، ودفعه إلى خلع اليونيفورم الذى يجعله ينظر للأمور بهذه النظرة السطحية ذات البعد الواحد. ونفس الوضع ينطبق على برامج ماسبيرو التى تدفعك إلى التثاؤب، والتى أقنعت كثيرا من الناس بالاستغناء عن الهوائى "الإيريال" الذى يتيح التقاط القنوات الأرضية، والتحول إلى الأطباق اللاقطة "الدش" لمشاهدة القنوات الفضائية.

انحدار إنتاجنا الإعلامى والصحفى إلى هذا المستوى يرجع بالأساس إلى أن هذا الإنتاج يسير دائما وراء الحكومة بخطوات وليس أمامها.. وكأن مهمته هى ارتداء اليونيفورم للمشاركة فى الزفة الإعلامية للحكومة فى كل خطواتها، بدلا من نقل نبض الشارع إليها. والواقع أنه لم يعد لأسلوب اليونيفورم مكان فى عصر الإنترنت والفضائيات التى تواكب الاتجاه العالمى نحو توسيع هامش الحرية والتعدد الفكرى. وإذا كانت الحكومة مشغولة بوضع قانون جديد للبث الإعلامى، فمن الواجب أن تتبنى هذا الاتجاه لإطلاق الحرية الإعلامية، وأن تنشغل بنفس القدر بإطلاق قدرات الإعلام المصرى كأداة للتنوير والإصلاح والتنمية. وأما السباحة فى الاتجاه الآخر فهى سباحة ضد التيار العالمى، ربما ينتهى بها الأمر يوما ما لأن تصبح مجرد مادة للتندر ورسوم الكاريكاتير الساخرة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة