نشرت جريدة لوموند الفرنسية، تحقيقاً أجرته فى دولة قطر، تلك الإمارة التى لا تريد على الأخص أن يتم تشبيهها بجارتها "دبى". فإذا كانت "السياحة هى دبى، فإن التعليم والثقافة هى الدوحة". تسعى قطر فى المقابل إلى إثبات كيانها كدولة "عدم الانحياز" فى العالم العربى، خاصة فى مواجهة جيرانها سواء المملكة العربية السعودية أو إيران.
تحاول قطر كذلك أن تظهر للعالم أن دول الخليج لا يقضون وقتهم فقط فى تبذير أموال النفط، وأنها قادرة على التنبؤ بالمستقبل وتصور الحياة بعد نضوب النفط. تؤكد الجريدة أن جميع الوسائل المتاحة فى قطر قادرة على تحقيق هذه الطموحات، فقد حقق صافى الدخل القومى ارتفاعاً كبيراً خلال الشهور الأخيرة، ليسجل معدلاً من أكبر المعدلات على مستوى العالم. وفى المقابل، ميزانية الدولة فى ازدياد مستمر.
تعد مؤسسة قطر فونديشن (Qatar Foundation)، واحدة من أغنى المؤسسات الثقافية فى قطر، إذ يصل على سبيل المثال حجم استثماراتها فى مركز الأبحاث الطبية المنتظر افتتاحه فى 2011، إلى 7.9 مليار دولار. فضلاً عن التعليم والصحة والرياضة، تذهب أموال المؤسسة إلى قطاع الثقافة، بهدف تشجيع امتزاج الثقافات، تحت رعاية الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى والشيخة موزة.
ثم تعدد الجريدة الفرنسية المشروعات الثقافية، المنتظر أن يتم الانتهاء من تنفيذها قريباً فى قطر، منها متحف الفنون الإسلامية، حيث سيكون أول معرض يقام فيه، والذى لا يحق لأحد رؤيته قبل أمير قطر، بعنوان "خارج الحدود، الفن الإسلامى من خلال الثقافات"، وكذلك مشروع أكاديمية الموسيقى، إلى جانب أوركسترا قطر (حيث ستتجاور فيها الآلات الموسيقية العربية والموسيقى الكلاسيكية الأوروبية). وتقدم للانضمام إلى هذه الأوركسترا 3200 مرشحاً من 72 دولة، تم اختيار 101 موسيقى من بينهم، سوف يحصل كل منهم على امتيازات عديدة سواء فى المرتبات أو الإعفاء من الضرائب أو الإقامة المجانية أو المصروفات الدراسية لثلاثة من أبنائهم. من المقرر أن تكون من بين أولى الأعمال الفنية التى سيقدمها الأوركسترا، عدد من المقطوعات الموسيقية للموسيقار اللبنانى مارسيل خليفة و"شهرازاد" لكورساكوف، أى بمعنى آخر "دائماً وأبداً التقاء الحضارات".
وتقوم قطر بتطبيق هذه السياسة القائمة على الرؤية المنفتحة على الخارج والاستقلال الإقليمى منذ ما يقرب من عشر سنوات، وتتمثل مظاهر هذه السياسة فى إنشاء قناة الجزيرة واستقبال أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى المنطقة، ذلك فضلاً عن نجاحها فى إقناع القادة السياسيين فى لبنان، بالاتفاق على ضرورة اختيار رئيس لبنانى. وفى يوليو2007، صرح الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى أن أمير قطر قد شارك "بحركة إنسانية" (بلا شك مساهمة مادية)، فى حل أزمة الممرضات البلغاريات فى ليبيا.
وتفتخر هذه الإمارة الصغيرة بأنها "تتحدث مع كل الناس". وتعد الدوحة العاصمة الوحيدة فى دول الخليج التى استقبلت تمثيلاً تجارياً إسرائيلياً فى أراضيها. على الرغم من ذلك، يحظر الحديث حول هذا الأمر فى هذه المنطقة، التى لا تزال حرية التعبير فيها نسبية للغاية. فى الكويت، قضت مؤخراً أحد المحاكم بمعاقبة جريدة الوطن، لنشرها مقالات تؤكد أن رئيس الحكومة القطرى على علاقات تجارية ودبلوماسية مع إسرائيل.
دور الأسرة الحاكمة
يقف الشيخ حمد وراء هذه الطموحات القطرية. حيث أعلن منذ توليه الحكم بعد والده عام 1995،: "قمنا بتبذير الكثير من الأموال فى الرفاهية فى الماضى". كما نجحت الشيخة موزة فى إقناع زوجها على الفور بتركها تتولى مسئولية إنشاء مؤسسة قطر. وبالفعل أصدر الشيخ حمد قراراً بتولى زوجته رئاسة المؤسسة منذ 1995. وفى حوار أجرته مجلة التايم الأمريكية بتاريخ 26 مايو مع الشيخة موزة، قالت: "إن شعبنا يستحق أفضل شىء. إذا لم نضع جميع الثروات التى نمتلكها فى خدمة شعبنا، سوف يحاكمنا التاريخ".
إعطاء صورة جيدة عن العالم العربى
تكثر المشروعات الثقافية فى الدوحة، ولكنها تثير دائماً نفس التساؤل: لمن هذه المشروعات؟ حتى هذا اليوم، إذا كان القطريون لا يمثلون سوى 250 ألف نسمة، فإن عدد المهاجرين فى قطر يصل إلى مليون شخص، يأتى معظمهم من الهند والفلبين والعالم العربى. ويتم إعداد مدن جديدة لاستقبال أعداد أكبر سواء من العاملين أو الأثرياء، الذين يبحثون فى منشآت سياحية شاطئية. أقامت هذه الإمارة الشابة كذلك كنيسة كاثوليكية، على بعد عشرة كيلومترات من قلب الدوحة. يقول أحد المهاجرين الفلبينيين فى قطر : "يعد هذا الأمر معجزة".
*
موضوعات متعلقة:
1- قطر تقوم بـ"الوساطة" فى جميع الاتجاهات
2- الرياض والدوحة تاريخ من الحرب الباردة
