الصهيونية الأمريكية تشكل سياسات الشرق الأوسط

الثلاثاء، 01 يوليو 2008 10:32 م
الصهيونية الأمريكية تشكل سياسات الشرق الأوسط
إعداد كاميليا رزق الله عن دورية الفورين آفيرز

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من المعالم الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية، ذلك التأييد الصريح والصلب لإسرائيل منذ لحظة مولد الدولة اليهودية 1948، والتى حصلت على اعتراف الولايات المتحدة بعد 11 دقيقة من إعلان دولتها.

ويرجع كثير من المراقبين داخل أمريكا وخارجها هذا التأييد الذى لم تطله رياح التغيير منذ عهد الرئيس ثرومان عام 1948 وحتى جورج بوش، إلى نفوذ جماعة الضغط اليهودية وقوة اليهود التى استمدوها من قوة أصواتهم الانتخابية وقوة وجودهم فى أجهزة الإعلام ودوائر المال والاقتصاد، لكن الواقع يضيف حقائق جديدة، فمع مرور الوقت، تزايد التعاطف الشعبى فى الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، مع أن عدد اليهود فى أمريكا تقلص من 3.8% من الشعب الأمريكى عام 1948 إلى 1.8% عام 2007، وبذلك نجد أن التأييد الذى تتمتع به إسرائيل يعود لرسوخ إسرائيل فى الوجدان الشعبى، بل أصبح توجهاً صريحاً للرأى العام الأوروبى الذى يشكل فيه الأمريكيون من غير اليهود النسبة الساحقة، بل إن جميع استطلاعات الرأى التى أجريت، وكان آخرها لمركز "بيو" للبحوث عام 2006 أوضحت أن الأمريكيين لا يرون تحيزاً فى السياسة الخارجية لبلادهم تجاه إسرائيل، بمعنى أنهم يقبلون بالسياسات الأمريكية ويرون أنها عادلة، وهكذا أصبح الرأى العام الأمريكى المناصر لإسرائيل هو القوة السياسية الحقيقية التى تحرك السياسة الأمريكية.

وترجع جذور هذا التعاطف الساحق إلى إحياء الحركة الصهيونية الدينية لفكرة عودة الشعب اليهودى إلى أرض الميعاد، حسبما ورد فى كتاب التوراة, إلا أن الصهيونية التقدمية التى تطورت على أيدى المسيحيين الليبراليين كانت أقل نزوعاً إلى التغيير الحرفى للكتاب المقدس، ورسخ لديها اعتقاد بأن إنشاء الدولة اليهودية هو انعكاس للإرادة الإلهية التى تدفع البشر إلى الخير والعدل وإصلاح ما أفسرته النظم الأوتوقراطية، مثل الإمبراطوية العثمانية التى جرت الشعوب التابعة لها إلى حياة البؤس والخراب والجمود
.
على أن الصهيونية التقدمية لم تكن كلها دعوة مستلهمة من التراث الدينى، بل تطورت مع الوقت لتصبح دعوة للاستنارة والتقدم الإنسانى والذى ستجسده الدولة اليهودية. ومع ذلك، تظل النزعة الدينية القوية للشعب الأمريكى هى المحرك لتأييد إسرائيل، ذلك أن الكتب المقدسة لليهود خاصة إعادة اكتشافها للعهد القديم، ألهبت الخيال الأمريكى وداعبت النزوع الإنسانى نحو كل ما يجد دعاوى العدل والمساواة بين البشر، حتى أصبح الأمريكى متضامنا بصورة كاملة مع الدولة اليهودية باعتبارها التجسيد الحى لهذه القيم.

والواقع أن الصهيونية التقدمية تجد صداها فى الأخلاقيات المسيحية أكثر من كونها إحياء لنبوءات قديمة جاءت فى الكتب المقدسة، فالأمريكيون يشعرون بعقدة ذنب تجاه اليهود لما لا قوه من عذاب على أيدى المسيحيين على مر تاريخهم خاصة فى أوروبا وأيضاً لمشاعر العداء الذى أيده بروتستانت أمريكا تجاههم.

وعلى نقيض ذلك تماماً نجد معظم الأمريكيين المسيحيين لا يشعرون بأى ذنب تجاه المسلمين.. فهم وإن كانوا يأسفون للممارسات الوحشية للمسيحيين تجاه المسلمين فى الحروب الصليبية، كما يرفضون فكرة الحرب المقدسة التى حركت الحروب الصليبية, إلا أنهم يعتبرون ذلك خطأ وقعت فيها الكنيسة الكاثوليكية وحدها دون أن يكون ذلك وزراً يتحمله جميع المسيحيين. كما أنهم يرون فى نهب ثروات المستعمرات وكل الضراوة التى مارستها القوى الأوروبية فى التاريخ المعاصر ثمرة عصر إمبريالى سادت فيه السياسات التوسعية للإمبراطوريات الكبرى وقتها، وليس خطيئة يدان عليها جميع المسيحيين، وهكذا بات الضمير الأمريكى يلهث للتطهر مما ارتكبه المسيحيون فى حق اليهود، فيما لم يشعر بأى ذنب تجاه المسلمين.

وفى نفس الوقت، تتباهى أمريكا مع دولة إسرائيل لشعورهما بأنهما أقاما دولة لم تكن على الخريطة من قبل، وكل من الدولتين تجد قيم العدالة والديمقراطية، بل إن وعى أمريكا بهويتها ورسالتها يشكل بقراءات الأمريكيين للتاريخ والفكر اليهودى، والشعب الأمريكى، سواء من اتباع الديانات أو من غير المؤمنين، يرى فى اليهود شعباً مدعواً لتغيير العالم ليصبح أفضل، وهى نفس الدعوة التى يرى الأمريكيون أنها موجهة إليهم. وهكذا، فسوف تظل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط فى المستقبل، مثلما كانت عليه فى الماضى، متأثرة بالرأى الأمريكى المتعاطف مع إسرائيل.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة