الغريب أنه بعد خطاب الرئيس بوش أمام الكنيست لا يزال البعض يسأل عن مدى كفاية الوقت المتبقى من عمر إدارته، لإنشاء دولة فلسطينية. وتجاهل السائل تماماً أن بوش أعلن فى الكنيست تصفيته ما يسمى " القضية الفلسطينية", وأن ما لم يرد الإعلان بنفس الكلمات، والغالب أن السائل أما أنه من الغباء لدرجة أنه لم يفهم ما قيل، أنه من فرط حسن النية بحيث إنه لا يصدق أو إنه من هول ما حدث لا يريد أن رئيس أكبر دولة ظهرت على وجه الأرض يخدع ويستخف بالمنطقة وأهلها فى عقر دارها.
ورغم كل ذلك لم نشاهد أى رد فعل فى العالم العربى على هذا الإعلان ولم تعلق الحكومات العربية أو الصحف الحكومية، ولكن هذه الصحف وبعض زعماء العالم العربى فزعوا من إشارة بوش فى مؤتمر شرم الشيخ إلى الكلمات المحظورة، كالديمقراطية والإصلاح والسجناء السياسيين وحبس المعارضين وقمع المحتجين وسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، فهاجموا السلوك الأمريكى فى الداخل والخارج تجاه هذه القضايا.هذا المشهد يستدعى عدداً من الملاحظات.
أولاً : إن الإشادة التى كالها لإسرائيل وديمقراطيتها واحترامها لحقوق الإنسان يقابلها النقد اللاذع للسجل العربى فى هذا الشأن, ولكن بوش لم يكن أميناً كعادته فيكمل مسرحيته، ويوضح لنا أن هذه الديمقراطية الفريدة التى تعيش فى حمى الاستبداد قسمت المنطقة إلى قسمين بطريقة غير عادلة، إسرائيل من جانب التى انفرد سكانها اليهود فقط بالتقدم والديمقراطية والرخاء، مقابل التقدم يومياً فى أعمال إبادة الفلسطينيين حتى تخلص أرضهم لها، فهى ديمقراطية العصابة التى هبطت بدعم أمريكى ودولى لاستعمار فلسطينى، بل إن سلوك إسرائيل فى فلسطين أسوأ بكثير من سلوك المستعمر العادى، لأنه سلوك إحلالى استيطانى بدعاوى وأساطير لا يصدقها الأطفال فهذا فعلاً نوع فريد من الديمقراطية لم يشهده العالم.
ثانياً : إن هذا النعيم الذى يرفل فيه اليهود دون غيرهم لم يغير شيئاًً مما تعانيه المنطقة من استبداد وتخلف، بل إن كل المؤشرات تؤكد أن هذه المنطقة قد ازدادت شقاء بوجود هذه الجماعة الديمقراطية اليهودية التى ملأت المنطقة أحزانا وتوترا، وربما كان للمنطقة خط يختلف لو لم تهبط عليها هذه النقمة. ورغم أننى لا أميل إلى تصديق ما يردده بعض رؤساء العرب من أن حل قضية فلسطين، يفتح الباب نحو التطور الديمقراطى فإننى كنت متعاطفاً مع قصدهم الحسن، وهو تحفيز واشنطن على حل المشكلة ظناً منهم أنها تعتبر ديمقراطية العالم العربى هماً متصلا يؤرقها على مدار الساعة.
ثالثاً : أن النظم العربية يبدو أنها لم تكترث بتصفية القضية الفلسطينية بإعلان بوش، ولكن سبب فزعها هو هذيانه بعبارات ظنوا أن الله قد تاب عليه من مقارفتها، بعد أن أخلصوا له الطاعة وبذلوا له من صور الولاء والامتنان بفضله ما عجز هو بنفسه عن تصديقه, ولذلك عز عليهم أن يكون جاحداً إلى هذا الحد بما قدموه دون أن يتنبهوا إلى أن بوش يعتبر الزعماء العرب فى مقام الحلفاء، لا يشكرون على ما يقدمون، ولا يؤجرون على ما يجتهدون. ولكن مما يخفف من وقع هذه الملاحظة أن بوش والرؤساء العرب يدركون سوياً عدم جدية بوش فى إثارة هذه المصطلحات، وإنما جرت الإشارة على سبيل المداعبة أو الحث على المزيد مما طلبه بوش لإسرائيل والعراق.
وربما تساءل الجميع عن سبب هذه الإشارة المفاجئة بعد سكوته عن هذه المصطلحات طيلة السنوات الماضية ؟.. فهو إما أراد أن يقدم وصيته الأخيرة, أو يذكر بأن تجاهله لهذه المفردات، كان بسبب تزاحم المفردات وليس لتنازله عنه، أو لجبر خاطر تفاده ممن رأوا موقفه مع إسرائيل غير متوازن، فالخطاب موجه إلى الشارع العربى، وهذا ما ضاعف من حنق النظم التى خرجت من هذا المولد بالترقيع واللوم، رغم دورها المحورى فى أى سياسة أمريكية يقررها بوش.
رابعاً : إن تأكيد بوش على المرجعية الدينية لإسرائيل يفتح الباب لمرجعيات دينية أخرى فى المنطقة، ولقد جاهد كثيرون وأنا من بينهم لإبعاد المرجعيات الدينية تقديساً لهذه المرجعيات وضمانها عن توظيفها سياسيا،ً وحتى يظل الصراع فى إطار سياسى يمكن الجدل لشأنه فى القضية، هى فى الأساس قضية وطن انقضت عصابةلا علاقة لها به عليه لتحل مشكلة اليهود التى خلقوها بأنفسهم، ويريح الشعوب منهم وأن تكون خنجراً فى خاصرة مصر والشام، وأن تظل أداة قهر لشعوب المنطقة وإبادة لسكان فلسطين دون أن تستفيد المنطقة شيئاً من تقدمها وديمقراطيتها.
خامساً : بعد أن أعلن بوش صراحة أن إسرائيل هى أمريكا، وأمريكا هى إسرائيل ومن حق إسرائيل أن تتمدد بحرية فى الأرض الموعودة باعتبارها شعب الله المختار، أبناء إبراهيم وداود وإسحاق أى استبعاد العنصر الفلسطينى والمرجعيات الدنيوية القديمة، التى أنهاها خطاب الضمانات الذى كان قد سلمه لشارون 14 أبريل 2004 فى واشنطن، ورخص لهذا الشعب المختار أن يأخذ الأرض ويبيد أعداءه بكل الطرق، فنفى أى مفاوضات أو سلام أو دولة يتحدث عنها أبو مازن أو الحق أن الرجل صدم ليس لأنه يعلم ذلك لأول مرة، ولكن لأن بوش لم يترك هامشاً للوهم تدور حوله المفاوضات وتنتصب حوله ضمانات السلام الوهمى، ولذلك يتجه إلى الاستقالة بعد أن راهن خواء ونال كثيرا من المقاومة وقيمتها، ولكنه لم يسلم بعد هذه الحقائق حتى يتفادى شماتة خصومه، ولكن الأهمن لماذا لا يتدارس الرؤساء العرب مصير القضية بعد أن ألقى القفاز صراحة فى وجوهم.
الحق أننى لم أغضب من إعجاب الرئيس بوش بإسرائيل، ونقده المرير للأحوال العربية لأنه نطق بالحق، ولكن لغير مقصده الحقيقى وليس فى موضعه الطبيعى، وكان بوسع الرجل أن يقيم توازناً خلاباً فى هذه المنطقة بين الحكام والشعوب وبين الحق والباطل فى فلسطين فمكسب لبلاده، ويسهم فى رخاء المنطقة واستقرارها بدلاً من السعى المستمر لتفجيرها والإضرار بها.
سفير د.عبدالله الأشعل
مصير القضية الفلسطينية بعد الإعلان الأمريكى عن تصفيتها
الإثنين، 09 يونيو 2008 03:12 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة