اتجهت لمحطة السكة الحديد بمدينة الإسماعيلية، بالتحديد الساعة التاسعة والنصف صباحاً، للحاق بالرحلة الوحيدة لقطار سيناء التى تبدأ من الإسماعيلية.
كانت المفاجأة الأولى أن القطار يتكون فقط من جرار وعربيتين خلفه ولعلى كنت الوحيد الذى يركب القطار .. فى العربة الأولى 15 موظفاً والثانية لا يركبها أحد .. وكم كانت مفاجأة لهم أن يركب مواطن هذا القطار، ولكنها لم تدم طويلاً عندما عرفوا أننى جئت للكتابة عن القطار وليس من باب السفر.
عرض على سائق القطار ـ المفترض أن يكون قطاراً ـ أن أجاوره فى الجرار لكننى آثرت الجلوس مع العمال الذين لفتوا انتباهى.. ومع انطلاق القطار عدت بالذاكرة إلى سنوات طويلة حكى لى فيها جدى عن قطار الشرق السريع الذى شيده المصريون لبريطانيا بداية من عام 1914 لخدمة جيوشها وتوفى خلال تنفيذ المشروع 25 ألف مصرى من إجمالى مليون و 200 ألف كان يتقاضى الرجل قرشاً والجمل قرش ونصف القرش.
وكان يصل القاهرة بأوروبا عبر فلسطين آنذاك. قطع حبل أفكارى صوت أحد العمال "يا أستاذ فينك .. إحنا فوق كوبرى الفردات .."، وعلى الرغم من روعة المنظر وأنت تسير بالقطار فوق مياه قناة السويس إلا أن حجم الإنفاق عليه 525 مليون يدعو للحزن سألت العامل، ويدعى محمد عبد السميع، عن أحوال القطار فقال "يا أستاذ إحنا من 2001 على هذا الحال.. نركب كل يوم الصبح فى القطار .. ونعبر للشرق إلى محطة القنطرة شرق ثم نعود فى الرابعة عصراً .. لا أحد يركب، مجرد رحلة روتينية"، وأضاف آخر "يا ريت بنركب فقط إحنا بنرفع الرمال من فوق القضبان ـ المنطقة رملية ولا يوجد فيها شجر ولذلك الرمال تغطى القضبان ـ نوقف القطار ثم نرفع الرمال ونركب مرة أخرى وهكذا تستمر الرحلة".
"وبعدين إحنا حتى محرومين من الحوافز 80%، أسوة بباقى إدارات القنطرة شرق. مع أننا نعمل فى مشروع عملاق".. تذكرت فى هذه اللحظة المبلغ الإجمالى الذى أنفق على المشروع (مليار و 525 مليون جنيه)، مضت 25 دقيقة وصلنا فيها إلى محطة النهاية القنطرة شرق.
التقيت مع سائق القطار ويدعى "نزار" قال إنه "مع بداية المشروع كنا نصل فعلاً لبئر العبد لكن لم يركب القطار أحد. نسير ونهدر المال العام والوقت، فقررت الإدارة وصول القطار فقط إلى القنطرة، خاصة بعدما سرقت بعض قضبان السكة الحديد".
وكان المفروض أن يصل القطار للعريش ثم إلى رفح وإلى شرق القنطرة، لكن المشروع توقف عند بئر العبد على بعد 80 كم من العريش و 140 كم من رفح بسبب نقص الاعتمادات المالية.
وأرجع نزار عدم وجود الركاب إلى بعد المحطات عن المناطق السكنية بـ 4 أو 5 كم بالتالى لا توجد مواصلات تنقل الأهالى للقطار وبالتالى يصبح استخدام السيارات وسيلة أسهل وأرخص.
تركت نزار، سائق القطار، فى محطة القنطرة شرق ولاحظت عدم وجود أى موظفين فى المحطة .. محطة ينعق فيها الغربان والبوم رغم التصميم المعمارى الرائع لها. وبقدر ما أصابنى الحزن بقدر حالة الغضب والغيظ من إهدار المال العام وسوء التخطيط .. وتذكرت ما قاله أحد العمال لى إن الخط القديم موجود داخل الكتل السكنية ولو نفذ هذا المشروع عليه ما تكلف فقط غير مد القضبان .. يعنى كان 100 أو 200 مليون قامت بالغرض وسار القطار.
اتصلت بأحد أصدقائى من العاملين فى الوحدة المحلية لمركز ومدينة القنطرة شرق نقلنى بسيارته للموقف ومعه اتجهت لمدينة العريش للقاء عدد من أعضاء مجلس الشعب الذين أقسموا اليمين على حماية المال العام ورعاية مصالح الشعب.
وفى السيارة كان الحديث حول القطار، كل المحطات مشيدة لكن توقفه فى بئر العبد أدى لبعد الناس فالقطار لم يصل للعريش ولا لمنطقة الصناعات ولا للميناء ولا لرفح .. هذا دمر المشروع.
سألت النائب سلامة الرفيعى عضو مجلس الشعب قال "أنا تقدمت بطلب إحاطة وبأسئلة كثيرة حول المشروع الذى توقف فى بئر العبد، وكانت الردود: سنكمل المشروع لرفح لكن مطلوب مساهمة القطاع الخاص، ومنذ 2001 حتى الآن أشياء كثيرة تغيرت سرقت قضبان السكة الحديد وتدهورت أحوال القطار ولا أعرف من يتحمل هذه الأموال المهدرة ولابد للحكومة أن تنقذ المشروع".
ويقترح حسام شاهين عضو مجلس الشعب أن تسرع الحكومة بتنفيذ المشروع للعريش لضمان تفعيل القطار وتوصيله لمنطقة الصناعات الثقيلة لنقل الأسمنت والرخام والجبس وتوصيله لميناء العريش وميناء رفح بعده، وبذلك سينشط المشروع ولكن هذا يحتاج إلى مليار آخر لابد من توفيرها أو إقناع القطاع الخاص بتحملها نظير الخدمات الكبيرة له مستقبلاً (عبد الحميد سلمى عضو مجلس الشورى يقترح لمنع سرقة قضبان القطار أن يتولى مشايخ القبائل هذه المسئولية كل فى نطاق نفوذه بشرط تنشيط المشروع لأن الحركة ستقضى على كل مشاكل القطار الذى نأمل استكماله بعد إنفاق الملايين عليه وطالبنا لجنة الصناعات بمجلس الشورى بتبنى هذا المشروع وتفعيله.
اللواء محمد عبد الفضيل شوشة محافظ شمال سيناء، قال إنه درس المشروع منذ توليه المسئولية وبالفعل أعد تقريراً حول تعثره وأهمية تشغيله واستكماله وهناك دراسة بالفعل من وزارة النقل لاستكماله بالاشتراك مع القطاع الخاص.
لمعلوماتك:
1-بدأ تنفيذ قطار الشرق عام 1914 بمشاركة 1.2 مليون مصرى.
2-تم تدمير كوبرى الفردات 5 مرات خلال الحروب.
3-الكوبرى الحالى 3 أمثال الكوبرى القديم ونفذته شركات ألمانية.
الحكومة أنفقت ملياراً و 500 مليون لإنشائه .. ولكن!
قطار سيناء بلا ركاب ولا قضبان
الأربعاء، 04 يونيو 2008 11:28 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة