عماد عمر

جرائم حكومية

الإثنين، 30 يونيو 2008 12:42 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رأسى يكاد ينفجر.. وأخشى على رؤوسكم أيضا .. مما يحدث فى فرنسا هذه الأيام. فالرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى يتعرض لانتقادات من الصحافة الفرنسية، بسبب إعلان نيته أن يعين بنفسه رئيس التليفزيون الفرنسى العام. الصحافة فتحت النيران على ساركوزى بصورة لابد أن تغيظ ابناء البلاد، التى تعين فيها الحكومة ليس فقط رئيس التليفزيون الرسمى، وإنما رؤساء تحرير كل الصحف الرسمية المسماة بالقومية.

كشف ساركوزى عن نيته فى إطار مشروع أوسع لإصلاح الإعلام، يهدف أيضا على المدى الطويل إلى منع الإعلانات فى التليفزيون العام على أساس أن ذلك يزيد من استقلاليته. لكن مثل هذه البهارات لم تكن كافية لجعل طعم المشروع مستساغا فى أفواه الصحافة. ونشرت صحيفة "ليبراسيون" عنوانا رئيسيا يقول "تليفزيون ساركوزى الفرنسى" أى أن الرئيس سيحول التليفزيون من جهاز عام إلى جهاز "ملاكى" إذا أصبح مسئولا عن تعيين مديره.

واعتبرت بعض الصحف أن ساركوزى يحاول السير على طريق رئيس الوزراء الإيطالى سيلفيو برلسكونى الذى يسيطر على محطات تليفزيون خاصة يملكها، وأيضا على محطة ار.ايه.اى العامة. وقالت صحيفة "لوموند" صاحبة الخط الرصين إنه "على عكس سيلفيو برلسكونى فى إيطاليا لا يمتلك نيكولا ساركوزى الوسائل لشراء محطات التليفزيون التى يحلم بها... وبدلا من ذلك قرر أن يسيطر عليها بمزيج مدهش من الوحشية والاستخفاف."
بل إن أحد أعضاء الحكومة وهو وزير الشئون الأوروبية جان بيير جويه، قال إن العملية تفوح منها "رائحة الجمهورية الخامسة" وأن من الأفضل تجنبها. لكن رئيس الوزراء الفرنسى فرانسوا نظيف.. عفوا.. فرانسوا فيون.. سارع إلى الدفاع عن خطط الحكومة، وقال إنها ستضع نهاية لازدواجية المعايير فى النظام الحالى الذى تتولى فيه هيئة إعلامية مستقلة تعيين رئيس التلفزيون. وقال إن التليفزيون العام فى الحقيقة "لم يكن أبدا مستقلا ولا حتى متمتعا بالحكم الذاتى."

وساركوزى الذى سبق أن شغل منصب وزير الداخلية ضمن مسار صعوده السياسى، تربطه علاقات قوية بأصحاب مؤسسات إعلامية كبيرة فى فرنسا، ويواجه منذ وقت طويل اتهامات بالتدخل فى تعيين وإقالة صحفيين كبار. لكن وصول ساركوزى إلى سدة الرئاسة ليس مبررا فى نظر الصحف الفرنسية للصمت عن خططه تجاه السيطرة على التليفزيون الرسمى.. فهذه الصحف تقدر قيمة الحرية التى تحظى بها.. وتستمد مكانتها من الدفاع عن مصالح الشعب وليس أن تتحول إلى ذراع إعلامية للحكومة. فالتحول إلى "جرائد حكومية" قد ينتهى بالصحف أن تصبح فى حقيقة الأمر "جرائم حكومية" تضع مصلحة الحكومة قبل مصلحة الشعب وتسير وراء الحكومة، بدلا من أن تنير لها الطريق. وتعتبر أن الدفاع عن الحكومة هو دفاع عن الوطن.

وتتعامل مع جرائم مسئولى أمريكا على أنها فرصة لشغل رجل الشارع عن جرائم المسئولين المحليين. والحكومة هنا ترتكب الجريمة مرتين.. الأولى حين تقصر فى حق الشعب والثانية حين تتحكم فى المسئولين عن صحف يفترض أن تكون قومية، بحيث تصبح مهمتهم غسل وجه الحكومة، لكن بطريقة محترفة، قد تكون تارة بتوجيه المواهب الصحفية بها لخدمة الحكومة، وتارة أخرى بحجب بعض الحقائق، وتارة بتقديم نصف الحقيقة فقط. ولا يجد المسئولون عن مثل هذه الصحف أى حرج فى الارتباط بالحكومة على طريقة مسرح العرائس.. بل وربما يجد بعضهم فى ذلك مدعاة للشرف، ويؤدى دوره باعتباره مسئولا كبيرا فى الحكومة. وربما لا يجدون ما يدعوهم للخجل فيما يسمعونه أو يقرأونه من وقوف الصحافة الفرنسية ضد خطة ساركوزى بخصوص التليفزيون العام. وأما من يرى غير ذلك فليس مهماً إذا انفجرت رؤوسهم.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة