أسامة غريب

حكومة و أهالى.. دون المستوى!

الثلاثاء، 03 يونيو 2008 12:18 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الحديث عن العولمة ينبغى أن نوضح أنه من بين مقتضياتها الأساسية توحيد المعايير والخضوع لقياسات تسرى على الجميع فى كل مكان من الأرض بنفس الدرجة. وعليه صار لكل مهنة دليل عمل أو "مانيوال" يلتزم به الجميع.

ومن تجليات هذا أننا نجد موظف البنك فى سويسرا يقوم بنفس العمل الذى يؤديه زميله فى جنوب أفريقيا أو فى الصين بنفس الكيفية والخطوات. كذلك نرى الإجراءات المتبعة لإنهاء سفر راكب فى أمستردام هى نفسها التى تتم فى طوكيو أو فى بومباى، ومدرب الكرة يفعل فى البرازيل نفس ما يفعله عندما يدرب فى الإمارات.. و بدأنا نسمع عن مصطلحات مثل الايزو والايوزا وسائر قياسات الجودة التى يعنى البعد عنها الخروج من التاريخ. من هنا فإن المدرس المطابق للمواصفات هو الذى يستطيع أن يقوم بتدريس اللغة الفرنسية فى القاهرة و يقوم بتدريسها فى داكار أو فى فيتنام بنفس الكفاءة، والطبيب المطابق للمواصفات تستطيع أى مستشفى فى العالم أن تعتمد عليه.

ونفس الأمر يسرى على مهنة مثل الصحافة، إذ يفترض أن رئيس التحرير المطابق للمواصفات يستطيع أن يدير جريدة فى لندن كما يستطيع أن يفعل الشئ نفسه فى بيروت..هذا هو المقصود بمستويات واحدة للقياس و الجودة. و من الجدير بالذكر أن الدول الكبرى هى طبعاً التى تضع المعايير وتبدلها وفقاً لمصالحها، فإذا تبدلت المصالح تم تعديل الكتالوج، وفى هذه الحالة علينا كدول بائسة أن نتبعهم فى مقاييسهم ومستوياتهم دون مناقشة.

فعندما يقررون أن التدخين عادة جميلة ترتبط بالرجولة و تمنح الإنسان المتعة و صفاء الذهن فإننا نتبعهم ونبيح التدخين فى كل مكان، ويظهر الضيوف فى التليفزيون يدخنون و يستمتعون!..وعندما يقررون فى الغرب أن التدخين خطر ينبغى محاصرته والتضييق على أصحابه ومنعه فى الأماكن العامة و كذلك حظره على الطائرات، فإننا بنفس البساطة نمتثل صاغرين. ورغم أنه يتم التلاعب بنا باعتبارنا مفعولاً به طول الوقت فإن مقاييس الجودة هى فى النهاية شيء جيد لو قمنا بتقليدها على نحو جاد.

لكن الذى يحدث أننا بالفهلوة المعهودة نقوم "بضرب" كل شىء، و أظن أن الصورة واضحة و لا تحتاج الى أى شرح، بدءاً بالبطاطس المصرية التى ترفض أسواق أوروبا استقبالها، مرورا بالطبيب المصرى الذى يتعين عليه دخول الكلية من سنة أولى إذا أراد ممارسة الطب بالخارج، فضلا عن المدرس المصرى الذى كان فى يوم من الأيام رسول التنوير فى العالم العربى فأصبح اليوم العشرة منه بقرش!. و لو نظرنا إلى الصحافة و تذكرنا أساتذتها المحترفين الذين كان الواحد منهم يستطيع أن يدير جريدة فى أى مكان باحتراف مهنى على أعلى مستوى، ثم قارناهم بصحفيى هذه الأيام لوجدنا أن الأخيرين لا يمكن أن تقبلهم جريدة محلية فى اليمن إلا كمحررين تحت التمرين، لأنهم ببساطة دون المواصفات المطلوبة للمهنة، وأنا هنا لا أتحدث عن المواقف السياسية أو الفكرية.. أنا أتحدث عن الاحتراف المهنى البحت.

وإذا كانت دول العالم لا تقبل الفاكهة المصرية المليئة بالمبيدات والتى لا تجد من يأكلها سوى المستهلك المصري، وإذا كانت دول الخليج ترحب الآن بالعامل الهندى و البنغالى وترفض الصنايعى المصرى البعيد عن المواصفات والذى لم يعد لديه سوى المواطن المصرى المسكين يمارس فيه غشه و فهلوته، وإذا كان المدرس المصرى قد أصبح مكشوفا بضعفه العلمى و لا تقبل عليه البلاد العربية و تفضل عليه الأردنى و الفلسطينى و التونسي، وإذا كان الطبيب المصرى ليس أمامه سوى المصريين يتعلم فيهم الطب و يقتلهم بإهماله و جهله، وإذا كان الصحفى المتواضع لا يجد سوى صحف الحزب الوطنى تقبله على حالته...إذا كان كل ذلك كذلك فإن أمر الوزراء لا يختلف كثيرا.

وأرى أن بقاء و استمرار الوزراء الحاليين هو أمر طبيعى وعادل لأنهم يشبهون المصريين ويليقون بهم و يشاركونهم البعد التام عن المواصفات القياسية اللازمة لأداء العمل. وحتى لو كان هؤلاء الوزراء هم السبب فيما وصلنا اليه فإن بقاءهم و استمرارهم يجعل الصورة أكثر اتساقا و سيميترية، فشعب من التنابلة يلزمه مسؤولون أكثر تنبلة، وكثير من هؤلاء المسؤولين لم يكن الواحد منهم ليستطيع أن يحظى بوظيفة باشكاتب لو كان يعيش فى بلد غير مصر.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة