أنا من أشد المعجبين بالجيل الجديد من الرؤساء العرب الملك عبد الله ملك الأردن والملك محمد السادس ملك المغرب والشيخ خليفة بن حمد آل ثان أمير قطر، فعلى مدى سنوات حكمهم لبلادهم استطاعوا أن يحققوا ما لم يستطع آباؤهم تحقيقه.
فقطر أصبحت الآن من الدول الخليجية ذات الشخصية المستقلة سياسيا واقتصاديا ويعتبر اقتصادها الآن من أكبر وأقوى الاقتصاديات فى المنطقة الخليجية بعدما كانت تعتمد على البترول كمصدر رئيسى للدخل ولم يكن يكفيها. وأصبح متوسط الدخل للقطرى من أعلى متوسطات الدخل ليس على مستوى المنطقة بل على مستوى العالم .. ومن الناحية السياسية أصبح لقطر دور مؤثر سواء اختلفنا معه أو اتفقنا فى قضايا المنطقة الهامة ولم تعد تلعب دور التابع أو الذى يسبح فى الفلك السعودى مثلما كان عليه الحال من قبل.
وبالنسبة للأردن نفس الشئ أصبحت على المستوى الاقتصادى من أفضل الدول العربية بل وأصبحت الاستثمارات التى تدخل الأردن الآن تفوق إمكانياتها وبدأت فى البحث عن بدائل لاستيعاب تلك الاستثمارات الضخمة. وعلى المستوى السياسى فالدور الأردنى كان وما زال من الأدوار المؤثرة والهامة فى المنطقة خاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية ويلعبه الملك عبد الله بذكاء شديد مع كافة أطراف النزاع سواء الإسرائيلى أو الفلسطينى وكذلك السورى، وليس هناك أى عداءات سياسية للأردن مع أى طرف أو أى دولة.
وفيما يتعلق بالمملكة المغربية يقوم الملك محمد السادس بخطة طموحة لإعادة بناء بلاده فى صمت ودون ضجيج وبعيدا عن الصخب وأصبحت المغرب على رأس الدول العربية التى استقبلت استثمارات خارجية خلال عام 2007 نتيجة الإصلاحات الاقتصادية الضخمة التى تمر بها المملكة المغربية. ويحاول الملك بهدوء أيضا حل المشكلات السياسية المتأصلة مع أسبانيا وموريتانيا.
ويشترك الملوك والشيوخ الثلاثة فى خصائص واستراتيجيات مشتركة أهمها خروجهم من تحت عباءة الأب الملك أو الأمير، فعلى الرغم من تملكهم السلطة والحكم سواء بطريق شرعى (الأردن والمغرب) أو عن طريق انقلاب(قطر) إلا أن وصولهم إلى سدة الحكم جاء بعد فترة طويلة قضاها الأب فى الحكم بالحديد والنار وابتعد عن الديمقراطية وذاقت شعوبهم ويلات القهر والفقر. وكان الملك الحسن الخامس ملك المغرب الراحل من أشد الحكام العرب قسوة وديكتاتورية مع شعبه وكان له خصومات وأعداء حتى أن معارضيه اتخذوا من فرنسا وأسبانيا قواعد لهم انطلقوا منها مما هدد استقرار المغرب.
ولم ينجح الملك حسين ملك الأردن الراحل أيضا بالرغم من دهائه ومكره فى احتواء خصومه وأعدائه من شعب الأردن، بل امتدت خصوماته إلى داخل الأسرة الهاشمية ذاتها ونفس الحال بالنسبة لأمير قطر السابق الشيخ خليفة والد الشيخ حمد مما اضطر معه الشيخ حمد بن خليفة الابن إلى الانقلاب على أبيه وتولى الحكم.
كان أول شئ واجهه الأبناء الثلاثة ترسيخ مبادئ الديمقراطية والتصالح مع شعوبهم وإزالة رواسب الحكم السابق والخروج تماما بعيدا عن عباءة الحاكم الأب وإدارة شئون البلاد بفكر جديد والتحدث بصيغه المستقبل والبعد عن الفعل الماضى والانفتاح على العالم اقتصاديا وسياسيا وتحقيق إصلاح شامل فى كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية وأيضا الاجتماعية ، والاهتمام بالشئون الداخلية فى المقام الأول وتحسين مستوى شعوبهم كهدف أساسى.
وكأن الوصفة السحرية لنجاح الأبناء الثلاثة أيضا البعد عن الحرس القديم والمستشارين الذين كانوا يحطيون بالآباء وتخلصوا تماما من وزراء العهد السابق وأصبحوا يعتمدون على الشباب الحاصل على قدر كبير من التعليم الحديث وخريجى الجامعات الأجنبية والثقافات الحديثة، والأفكار المتطورة القادرين على مسايرة التطور السريع وحمل لواء التطور وتحقيق آمال شعوبهم. وبذلك قدم هؤلاء الحكام الأبناء الثلاثة الوصفة السحرية للنجاح فى الحكم لكل من يريد أن يصبح رئيسا خلفاً لوالده.