أثار البيان الصادر عن جبهة علماء الأزهر تحت عنوان "إلى الوالغين فى جريمة الاحتكار المانعين بسلطانهم حق الله" ردود فعل عنيفة بين علماء الدين. وبينما يؤيده بعض العلماء إلا أنه قوبل بمعارضة عدد كبير منهم، خاصة من غير أعضاء الجبهة.
ويمثل بيان "الجبهة" سابقة أولى وإشارة إلى توجه جديد لها، ولأول مرة منذ تأسيس الجبهة عام1967، يصدر عنها بيان شديد اللهجة ضد أحد رجال الأعمال، أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى الحاكم وصاحب شركات عز للحديد والصلب، الذى تتهمه الجبهة بارتكاب أعظم الكبائر.
واستعرض بيان جبهة علماء الأزهر تفاصيل الحديث التليفزيونى الذى أدلى به "عز" إلى برنامج "العاشرة مساء"، بما يؤكد وجود استعداد مسبق وانتظار لما سيدلى به عز، ووضح ذلك جلياً من تأكيد الجبهة على أن البيان صادر فى يونيه شهر "النكبات" والحدة التى ظهرت فى صياغة البيان.
وبحسب نص بيان الجبهة المعقب على أحمد عز "لم يعبأ السيد المتحدث بأنات المتوجعين ولا توسلات المستعطفين، ولا تأوهات المتوجعين – شأن المتشبع بأخلاق الرأسمالية الشرسة التى لا ترحم من لا تحتاج إليهم – كما قالت السيدة الكاتبة الأوروبية "باسكال بروكنر" فى كتابها "بؤس الرفاهية، ديانة السوق وأعدائها".
وأورد البيان أن أقبح ما جاء عليه حديث الأمين العام الحاكم المساعد، أمران هما فى عداد شرع الله تعالى من أعظم الكبائر: أولها جحوده العملى الذى كشف عنه، قوله الجاحد عن فريضة الزكاة وهى فى شرع الله ركن من أركان الإسلام، فقد سئل سيادته من السيدة مقدمة البرنامج أكثر من مرة عن حجم أمواله، فما كان منه إلا الروغان بما أفاد عدم معرفته لها، ثانيها إعلان سيادته أن الاحتكار لا يمثل جريمة مخلة بالشرف!! قد يكون هو كذلك فى قانونه هو، لكنه فى ميزان شرع الله الذى هو فوق كل قانون، يمثل على جميع صوره وأحواله جريمة محرمة، حيث حرمه الشارع الحكيم تحريماً جعل المحتكر يبلغ به الدرك الأسفل من ضياع الشرف وسقوط الكرامة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه مسلم والترمذى، من حديث سعيد بن المسيب، عن معمر بن عبد الله "من احتكر فهو خاطىء" زاد الحاكم" وقد برئت منه ذمة الله"، وما أخرجه ابن ماجة والحاكم، من حديث عمر ابن الخطاب مرفوعاً "المحتكر ملعون" وما أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم "من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس".
ويعاود البيان الاستناد إلى الكاتبة الأوروبية "باسكال بروكنر" فى بحثها "بؤس الرفاهية، ديانة السوق وأعداؤها": إن العوز حرمان من الحريات، لأنه حرمان من القدرات، حيث يتجسد فى المذلة، وصعوبة العلاج، والعجز عن تعليم الأطفال، وعن التخطيط للمستقبل، وأن الطبقات المهيمنة - فى أيدلوجية الاقتصاد - تخون المبادئ التى تدعى الاستناد إليها، فتفرط فى استخدام الحمايات المتوفرة لها "الحصانة مثالا"، وتسىء استعمالها للحفاظ على ريعها.
وتورد "الجبهة" فى بيانها "هل هناك من حاجة إلى دليل ندلل به، على أن القوم قد سبقوا سادتهم إلى الدرك الأسفل من آثام اقتصاد السوق، الذى يؤلهونه على حساب دين الأمة التى وعدوها، ثم انقلبوا عليها وخدعوها ففرضوا على مسكن الأسرة، الذى هو للإنسان ألزم له من طعامه وشرابه ولباسه، المسكن الذى لا ينتج دخلاً، فرضوا عليه الضريبة الموجعة، حتى إنه لم يبق من معالم سعادات الإنسان التى كفلها الله له معلماً، لم تفرض عليه ضريبة غير معلم الزوجة الصالحة، ولعلها فى تقديرات القوم وحسبانهم آتية لا ريب فيها، يقول عمرو بن العاص رضى الله عنه، فيما أخرجه الإمام الذهبى له "أربع من السعادة، الجار الصالح، والمسكن الواسع، والزوجة الصالحة، والمركب الهنىء"، وقد أتت الضرائب على الثلاثة منها ولم يبق إلا الرابعة لم تنلها يد الضريبة الآثمة جريانا فى مرضاة الآلهة الجديدة آلهة السوق، التى تقول الأستاذة بسكال فى حقها "فى الحطام العام للمعتقدات تثبت أيدلوجية معينة، هى أيدلوجية الاقتصاد".
من جانبه هاجم الدكتور أحمد عبدالله السايح أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر قائلاً "من يقحمون أنفسهم فى قضايا التكفير متخلفون"، موضحاُ أنه لا ينبغى على العلماء وغير العلماء تكفير أحد، سواء محتكر أو غير محتكر لأن قضية التكفير لا يملكها إلا الله، وهم يدركون تماماً كما يقول د. السايح إن الحكم هو لله سبحانه وتعالى لأنه رب القلوب، وقد ورد فى صحيح مسلم أن الرسول "ص": جاءه رجل وقال له أعدل يا رسول الله، فقال الرسول لقد خسرت، فمن يعدل إذا أنا لم أعدل ومشى الرجل، وكان خالد بن الوليد يجلس بجواره فقال خالد للرسول أاقطع رقبته فقال الرسول لخالد.. لا، لعله يصلى، فقال خالد كم من مصلٍ يصلى، وكلما قال له خالد شيئا، قال له الرسول كم من مسلم يفعل هذا، وأخيراً قال الرسول "لم أؤمر أن أفتش فى قلوب الناس، وفى رواية أخرى لم أؤمر أن أنقب فى قلوب الناس".
يفسر الدكتور السايح هذا الحديث بما يفيد أن الرسول، وكذلك المسلمين الذين يصدرون أحكاماً، وفتاوى لم يؤمروا فى التفتيش عما فى قلوب الناس.
فإذا كان الرسول لم يأمر بالتكفير، فكيف وصل العلماء إلى قلب أحمد عز، فالتكفير بدعة ودلاله على تحجر أعمى لهؤلاء العلماء والمسلمون جميعاً، والله يقول فى سورة الفرقان "والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً" وهذا معناه إعمال العقل والفهم الذى قال الله فيه "والله أخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئاً فجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون".
وقال السايح إن المفتين بتكفير عز وغيره ليس لهم عقول ولا آذان تسمع، إنهم جماعة من المتحجرين الذين جمدوا الإسلام معهم. وعندما سألناه عن قضية الاحتكار نفسها قال إنها شأن آخر لا علاقة لها بالتكفير، فارتفاع وانخفاض الأسعار لا صله له بالفتوى، إنما هناك عوامل تؤدى إلى الارتفاع والانخفاض.
من جانبه أكد المفكر الإسلامى جمال البنا على حق الجبهة فى إصدار هذا البيان مضيفاً "ياليتهم يقولون ما هو أكثر من ذلك" لأن قضية الاحتكار قبل أن تكون حرية فكر، فهى قضية قومية لا جدال فيها، ولا يجوز أن يمنع أحد من الحديث عنها. لكنه عاد وقال "إن طنطاوى والجبهة احتكروا الدين، وأحمد عز احتكر الحديد فأصبح لا فرق بينهما".
وقال البنا إنه يرفض قيام جبهة علماء الأزهر بالتحريم أو التحليل، وعليهم فقط أن يعالجوا القضايا التى تخص العامة عوضاً عن احتكارهم للإسلام والدين والفتوى، "وانظروا إلى أنفسكم".
علماء يصفونها بالتخلف ..
جبهة علماء الأزهر تكفر أحمد عز
الجمعة، 27 يونيو 2008 07:48 م