أضحكتنا مجموعة الأزمات الدولية، عندما طالبت جماعة الإخوان المسلمين بالاقتراب من الإصلاحيين فى الحزب الحاكم، وهى تستعرض التضييق الحكومى على الجماعة!
المجموعة ذكرتنا بأكبر مقلب شربناه فى حياتنا السياسية، عندما تصورنا أن "الحداية يمكن أن تلقى كتاكيت"، وأن مجموعة لجنة السياسات هم طلائع الإصلاحيين الذين تسللوا إلى الحزب الحاكم ذات ليلة، بعد أن نام المحافظون، الرافضون للإصلاح، والمتمسكون ببقاء الحال على ما هو عليه. فإذا بالأيام تثبت لنا أن "أحمد" هو بشحمه ولحمه "الحاج" أحمد، وأنه لن يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع حرم أبيه، ولا يعرف قدر كمال الشاذلى وصفوت الشريف إلا من يرى سياسات طلائع الفتح، بعد أن تسللوا إلى الصفوف الأولى بالحزب الحاكم، وحيزت لهم الدنيا بحذافيرها!
من قبل كان الفتية يقدمون أنفسهم على أنهم صوت الجماهير فى الحزب الحاكم، وأن معركتهم مع الحرس القديم، القابض على زمام الأمور، هى معركة الشعب المصرى المشتاق للحرية، ولحياة ديمقراطية سليمة، وانتظرنا انتصارهم فى معركة، يخوضونها بالنيابة عنا جميعاً، وتحقق لهم النصر، وتساقط قادة الحرس القديم كما يتساقط ورق الشجر اليابس، وتمكن الحرس الجديد من السيطرة على الأمور، ورفع شعار الفكر الجديد، والذى أثبتت الممارسة أنه يعنى أن "من فات قديمه تاه"!
لقد تصورنا أن الفتية يدغدغون مشاعرنا نحن بالحديث عن الإصلاح، فإذا بالأيام تؤكد أنهم كانوا يدغدغون مشاعر كوندوليزا رايس الجياشة، التى كانت مشغولة بالبحث عن بديل للأنظمة الصديقة والحليفة، تتحدث لغة العصر، فطرحوا أنفسهم على أنهم هم هذا البديل فى مصر، فهم يتحدثون عن الإصلاح، والإعلام يصفهم بالإصلاحيين، وعندما تيقنت رايس وبوش أن المضى قدما فى طريق الإصلاح سيمكن جماعة الإخوان المسلمين من السلطة، وانشغلت وصاحبها، بخيبتهم الثقيلة فى العراق وأفغانستان، لملم جماعتنا لافتات الإصلاح، وسقطت أوراق التوت التى تستر العورات!
لقد جرى تعديل قانون الأحزاب، على يد الإصلاحيين، فكان التشديد هو سيد الموقف، وكان القانون القديم بالنسبة لتعديلاتهم رحمة، وبدلا من أن يكون تأسيس الحزب بالإخطار، ظل الحال على ما هو عليه، فاللجوء إلى لجنة شئون الأحزاب، وهى لجنة حكومية شكلا ومضمونا، والاعتراض على قراراتها لا يكون أمام القاضى الطبيعى، وإنما أمام محكمة، بتشكيل معيب، إذ أن نصفها من غير القضاة، يختارهم وزير العدل!
وبعد أن دان الحزب للإصلاحيين، رأينا معنى أن يكون الدستور غير دستورى، فالتعديلات التى أدخلت على نصوصه كرست الاستبداد، وجعلت من المواد العاصفة بالحريات، نصوصا دستورية محصنة من الطعن عليها، وإذا كنا نعتبر أن الإشراف القضائى على العملية الانتخابية، إشرافا منقوصا، فإن الإصلاحيين عادوا بنا إلى زمن إشراف الموظفين، والمعنى أن مجلس الشعب لن يدخله فى الانتخابات القادمة جنس معارض إلا إذا حاز على الرضا السامى!.
وفى عهد الإصلاحيين، أصبحت محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، أمرا لا يتعارض مع الدستور، وجرى مد العمل بقانون الطوارئ، فلم يفتح الله على أى إصلاحى بكلمة اعتراض!
هذا فى المجال السياسى، أما فى المجلس الاقتصادى فقد عرفنا الاحتكارات التجارية على "أيديهم الطاهرة"، وبعد أن كنا نتعجب من طوابير الخبز، عرفنا طوابير الحديد، وصدرت قوانين من البرلمان، فى ظل سيطرة الحزب الحاكم عليه، والذى يسيطر عليه الإصلاحيون، تقرر التنكيل بالأمان الاقتصادى للمواطن.
لقد نسى أصحاب لجنة السياسات هذه الصفة: "المصلحون"، وعندما تأتى مجموعة الأزمات الدولية لتذكرنا بها، فنحن معذورون عندما نضحك، وأكاد أتصور الفتية وهم يضحكون، ضحكاً جماعياً ويمدون أيديهم فى وقت واحد: كفك يا باشا!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة