تذخر مصر بإمكانات سياحية هائلة، لم يتم استثمارها بنجاح فى برامج هيئة التنشيط السياحى – التابعة لوزارة السياحة، بقيادة رجل الأعمال زهير جرانة، حتى باتت الحملة كألبوم فقير جداً، يستجدى سائحين لا تهمهم عراقة مصر.
تمنيت لو يتفق أنس الفقى وزهير جرانة وزيرا الإعلام والسياحة فى مصر، على إصدار قرار مشترك، يقضى بمنحة تفرغ للمسئولين عن الإنتاج فى التلفزيون ومسئولى هيئة التنشيط السياحى فى وزارة السياحة، لمشاهدة المسلسلين التركيين "نور" و"سنوات الضياع" اللذين يذيعهما تلفزيون إم بى سى.
وأقترح أن تكون المكافأة المالية للمنحة مشروطة بتحقيق درجات ممتازة فى امتحان يخضعون له، مثل امتحانات اجتياز أية دورة، بشرط أن يضع أسئلة هذا الامتحان خبراء فى السياحة، والإنتاج الفنى، لا ينتمون لكتيبة سياحة رجال الأعمال، أو كتيبة الإعلام الحكومى.
هذه الأمنية والاقتراح المنبثق عنها، يفيد فى لفت نظر المسئولين عن تنمية السياحة فى مصر، بأن برامج التنشيط التقليدية التى تخصص لها ميزانيات بملايين الدولارات، قد عفا عليها الزمن، وتجاوزها أناس لم يصدعوا رؤوس العالم بأنهم أصحاب حضارة بلغت سبعة آلاف عام، مثلما يتشدق به المصريون فى كل المجالات، حتى فى أعمال النجارة والسباكة، وسمكرة السيارات.
بهرنى أثناء متابعة المسلسلين التركيين، طريقة التصوير الذكية جداً، بحيث بدت الحلقات، كأنها نشرات متفرقة من حملة إعلانية واعية جداً، ابتكرتها وزارة السياحة التركية، وليست شركة متخصصة فى الإنتاج الفنى.
نجحت الجهة الذكية المسئولة عن إنتاج هذين المسلسلين المدبلجين للعربية، فى توفير ميزانية الحملات الإعلانية المدفوعة، لتوظيفها فى صناعة درامية منافسة من جهة، وتسخيرها لتدشين أكبر وأذكى حملة للترويج السياحى فى العالم.
وحتى يتأكد القارئ والمشاهد من صحة حديثى، أدعوه للمشاهدة بعين الناقد، وليس بعين المتابع للأحداث فقط، ويتابع كيفية انتقال الكاميرا لرصد التفاصيل المكانية المحيطة بالمشهد، وكيف يستدعى التصوير للانتقال بين المشاهد، لقطات خاطفة "سبوت" سريع جداً، لمشاهد مكانية، قد لا يكون لها علاقة بالـ "شوت".
مكاسب سياحية بالأرقام
النتيجة: أن السياحة التركية حققت مكاسب مباشرة من عرض هذه المسلسلات، التى دفعت فيها قناة إم بى سى مبالغ خرافية، على الرغم من حقها فى أخذ مبالغ أكبر مما دفعته، أو تساوى ما تحصل عليه من بث الحملات الإعلانية المباشرة، حيث تؤكد مبيعات شركات السياحة والطيران، أن مبيعات التذاكر إلى تركيا، خلال الشهرين الماضيين سجلت زيادة نسبتها 20 %، مقارنة بالشهرين المقبلين من العام الماضى.
ومع حقنا فى الغيرة الإيجابية، أن نسجل هنا استمرار وزارة السياحة فى بث حملتها الممجوجة "نورت مصر"، بشعار "السياحة خير لنا كلنا"، مع سرد رحلة السائح نايف وسلطان وغيرها من الأسماء الخليجية، كأن هذه الحملة بما كلفت ميزانية مصر، موجهة فقط للناطقين باللهجة الخليجية، مع العلم أن السياح الخليجيين أنفسهم لم يعد يعجبهم أسلوب الترويج المبنى على مناظر فجة، يملكون أروع منها فى بلادهم المنغلقة.
فى المقابل، نجحت المسلسلات التركية المدبلجة فى اجتذاب أكثر من مليون مشاهد عربى من الخليج إلى المحيط، يذوبون اجتماعياً وجمالياً مع الثقافة والعادات والتقاليد، التى تمارس تلقائياً وسط طبيعة خلابة ونظافة تشع من الشاشة، لتخطف ألباب من سكن الصحارى أو المدن العربية، وليست موجهة لشخص ولا اسم بعينه، كما لم تقدم رحلة سياحية مفصلة بالتوقيت والموقع، لشعب أو جمهور بعينه.
يقول خبير سياحى مصرى، إن مصر فى حاجة إلى تنشيط سياحى آخر ببرامج تتفق مع التغيير الحاصل فى فكر المستهلك العالمى للسياحة، مشيراً إلى أن مصر لديها من الإمكانيات السياحية ما يزيد على أفق هيئة التنشيط السياحى، وبرامجها المدرسية.
إمكانات جغرافية
تملك مصر حاليا مجموعة مدن حديثة، لم يحسن المصريون تسويقها، مثل: مدن البحر الأحمر (الغردقة)، وجنوب سيناء (شرم الشيخ، دهب، نويبع)، وخليج السويس (الطور، رأس سدر،العين السخنة)، وحتى مدن الصحراء الشرقية والغربية، مثل: (العبور، الشروق، العاشر من رمضان، القاهرة الجديدة)، وهى مدن تحظى ببنية تحتية تتمثل فى الطرق الحديثة ذات النسق الشجرى الرائع، والمزروعات والمساحات الخضراء والحدائق المصفوفة فى أشرطة مبهجة على الطريق، تبعث على البهجة، وتهدى الحائر إلى ضالته المنشودة فى مصر المحروسة• وبالانتقال إلى طريق السويس، يكتشف الزائر ذلك التجمع العمرانى الرائع الذى يطلق عليه اسم القاهرة الجديدة، وهو مجتمع تتعدد فيه المدن السكنية والأشجار والياسمين، القطامية، التجمع الخامس، والختام بمدينة الرحاب التى تنافس أجمل بقاع المعمورة فى النسق الجمالى للبنايات والفراغات الشجرية، والنظام الذى لا يمسه الإهمال أبداً، بفعل المنظومة التى وضعتها شركة الإسكندرية للإسكان والتعمير "طلعت مصطفى"• والانتقال من الصحراء الشرقية إلى الصحراء الغربية لمصر، يبدأ من محور مدينة السادس من أكتوبر، ودون الدخول إلى طريق مصر الإسكندرية الصحراوى، يبدأ الزائر موال الحزن على ترمل العديد من المدن السكنية التى ضربت جذورها الخرسانية فى صخر الصحراء، وظلت خاوية إلا من الغربان والجان، وذلك قبل الوصول إلى مدينة الشيخ زايد، ثم دريم لاند، وغيرها من المدن السكنية التى نشأت على "حس" مدينة السادس من أكتوبر•
استوديوهات مجانية مفتوحة
عودة إلى طريق مصر الإسكندرية الصحراوى، ليفاجأ الزائر بروعة مصر الحاضر، المتمثلة فى المشاريع الزراعية ذات الطابع السكنى والترفيهى، مثل: مزارع الريف الأوروبى، وغيرها من المشاريع التى تستحق شهادة اعتراف بجميل كل من ساهموا فى تخطيط واستصلاح واستزراع وتخضير وتعمير هذه المنظومات الجميلة، ممن يستحقون دخول تاريخ العمار فى مصر الحديث، وهذه الأماكن تقدم فرصاً عظيمة لاستوديوهات مفتوحة للإنتاج الدرامى، تبهج المشاهد المحلى، وتحول المشاهد الخارجى لسائح محب، وليس لزائر مسطح فارغ لا يليق بمصر.
وزيارة واحدة إلى مدينة الرحاب أو الربوة داخل الشيخ زايد، أو مزارع الريف الأوروبى، أو دريم لاند، أو مدينة الأشجار، وغيرها من المشاريع التى أجهل أسماءها، وتستحق الذكر حتى من باب الدعاية المجانية، تنفى العجب والضيق من صدر أى متعجب أو أى قارئ، يصف هذا الحديث بالمبالغة أو الرياء، وللأسف لم يستفد من هذه المشاريع سياحياً ولا فنيا، سوى عدد من منتجى أفلام المقاولات الذين أوكلوا المهمة إلى مقاولى حجز أماكن التصوير، وفق قائمة ثابتة لديهم، لا تخرج من شقق المقطم وفللها المستحدثة أو التى خضعت للترميم، وفق شروط الـ "ريجيسير"، حتى تبدو أفلام الفيديو والسينما والتلفزيون كلها منتجة فى أماكن مكررة• يظل استثمار هذه الإمكانات بالطريقة المصرية الحالية، لا يرقى للمستوى المأمول من صناعة الدراما، أو السينما فى مصر، ليصبح التطوير حلماً وفكراً وعملاً خلاقاً، يصب فى خانة التنشيط السياحى، وبالتالى الاقتصاد المصرى، كما فعلها الأتراك.
القاهرة.. أجمل بلد فى الدنيا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة