تعيش صناعة وعمال قطاع الغزل والنسيج فى مصر، أزمة طاحنة تنهش فى جسد الوطن، مخلفة وراءها عديداً من الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات"، اليوم السابع حاولت التعرف على أصل المشكلة عن قرب.
يربط عبد الغفار شكر الخبير الاقتصادى والقيادى فى حزب التجمع، أسباب تدهور صناعة الغزل والنسيج بانخفاض المساحة المزروعة بالقطن، واتباع الحكومة سياسات تحرير الأسواق، ويرى أن مصر كانت تنتج حوالى 42% من الأقطان طويلة التيلة قبل تطبيق سياسة التحرير الاقتصادى، وانخفضت النسبة فى عام 2006 إلى 4% فقط، بالإضافة لتخلف الآلات الموجودة بمصانعنا قياساً على الماكينات الحديثة فى السحب والبرم والتنظيف واللف والغزل، حيث تطورت الماكينات بدرجات كبيرة لتوفر الكثير من المال والجهد والوقت، لإنتاج غزل القطن وتجهيزه، مما أفقد مصر الكثير من أسواقها، وسمح بحلول الشركات الأمريكية محلها، لدرجة أن اليابان التى كانت تعتمد على أكثر من 90% من أقطانها على القطن المصرى، اتجهت مباشرة إلى الشركات الأمريكية.
أشار شكر إلى تراجع إنتاج الغزل والأقمشة بعد طرد غالبية العاملين بصناعة الغزل والنسيج، وبعدما كان يعمل فى قطاع الأعمال العام 275000 عامل غزل ونسيج، وصل عددهم فى يونيه 2008 إلى 75000 عامل فقط بعد أن خرج إلى المعاش المبكر 73% منهم لينضموا إلى طابور البطالة، وبعد أن كانت هذه الصناعة تصدر وحدها 35% من الصادرات الصناعية تحتل اليوم مرتبة متأخرة بين الصادرات الصناعية، كما بيعت غالبية شركات الغزل والنسيج الرابحة وآخرها شركة شبين الكوم التى تصدر 60% من إنتاجها.
حدد شكر المشاكل التى تعانى منها صناعة الغزل والنسيج فى مصر فى تهريب الأقمشة والغزول للسوق المصرية و"السماح المؤقت" والجمارك، مشيراً إلى أن خسائر شركات النسيج التابعة لقطاع الأعمال بلغت 20 مليار جنيه فى الأعوام الستة من 2001-2006، وبلغت إجمالى مديونياتها لجهات حكومية أخرى مثل هيئات الكهرباء والبترول والتأمينات، حوالى 12 مليار جنيه و أن الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج دفعت 1.206 مليار جنيه أجور عمال الشركات الخاسرة فى الفترة من 2001-2006 من حصيلة بيع أراضى الشركات.
يحدد عبد الغفار شكر أهم المشكلات التى تواجه صناعة النسيج فى القطاع الخاص، وهى تهريب الأقمشة والغزول إلى داخل مصر، مما يؤدى إلى منافسة غير عادلة مع منتجات هذه الشركات، ويدعو إلى مواجهة طرق التهريب التى تتم عن طريق استغلال نظام تجارة الترانزيت وتهريب البضائع بين المناطق الحرة واستغلال نظام السماح المؤقت وتزوير المستندات فيما يتعلق باستيراد وتصدير الأقمشة والغزول.
من جانبها، توضح صفية حمدى الباحثة الاقتصادية، أن صناعة الغزل والنسيج تمثل 17% من الإنتاج الصناعى، ويعمل بها حوالى مليون عامل يمثلون 25% من العمالة فى القطاع الصناعى، كما يبلغ عدد الوحدات الإنتاجية 4800 شركة، بينها 24 شركة قطاع أعمال عام تحت قيادة شركة قابضة واحدة هى الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، وتم خصخصة 4 شركات وهناك 9 شركات أقطان و3250 منشأة من منشآت استثمارية وقطاع خاص تعمل فى هذا القطاع.
حددت صفية حمدى متوسط معدل النمو فى هذا القطاع خلال الفترة من 1992إلى 2002 بـ 5% سنوياً وصل إلى 8% عامى 2006 و2007 وقالت إن لمصر فرص نمو كبيرة بالسوق العالمى لأن متوسط استهلاك الفرد فى مصر لا يتعدى 53% من المتوسط العالمى للمنتجات النسيجية، وعناصر التكلفة الإنتاجية تقل فى قطاع النسيج فى مصر عن مثيلاتها من الدول المتقدمة والنامية.
ويقول صابر بركات، عضو اللجنة التنسيقية للدفاع عن حقوق العمال، إن مصر تعرضت إلى تحولات اقتصادية واجتماعية حادة بداية من منتصف سبعينيات القرن العشرين، والتى كانت بداية للتحول من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر ودعم القطاع الخاص – المحلى والعربى والأجنبى – وتهيئة البنية القانونية والإدارية والعملية لتدشين تلك المرحلة التى أثرت على مختلف مجالات الإنتاج والاستهلاك والخدمات.
أشار بركات إلى الظروف العامة التى واكبت هذا التحول، وتمثلت فى عجز الدولة عن إدارة عملية التنمية بكفاءة أو الاستجابة لمطالب شعبها، لظروف داخلية وخارجية مختلفة، بالإضافة إلى رأسمالية ضعيفة حققت التراكم من مواقعها البيروقراطية السابقة، ومن خلال الرشاوى والمضاربة والاحتكار وأهملت مسئولياتها الوطنية والاقتصادية والاجتماعية تجاه الوطن والشعب، إلى جانب طبقة عاملة ضعيفة ومحرومة من حق التنظيم أو حتى التمثيل السياسى والنقابى، وتمر بمرحلة تفكيك وبعثرة، وترتبط ارتباطاً عضوياً بالدولة وتوجهاتها.
أكد بركات على أن العمال فى بلادنا، خلافاً لما هو متبع حتى فى الدول الرأسمالية يتحملون أكثر مما يجب من الأعباء الضريبية، خاصة أصحاب الأجور الثابتة منهم، وبين كيف يحرم العمال من الحضور المؤثر فى عملية رسم السياسات الاجتماعية واتخاذ القرار، فى ظل نظام الحكم الأبوى السائد، حتى فيما يخصهم من شئون، فالتنظيمات العمالية والفلاحية والمهنية، ومنظمات المجتمع المدنى فى مجملها، هى تشكيلات صورية بدون أية فاعلية حقيقة، إن لم تكن ممنوعة ومصادرة من الأساس.
وقال بركات إن عمال صناعة الغزل والنسيج والمرتبطين بها من العمال والصناع حوالى 10 ملايين مواطن يتعرضون لمشاكل إضافية بسبب سوء أحوال الصناعة وتعرضها للانهيار بعد فتح السوق المصرى أمام المنسوجات المستوردة، وتلاعب بعض كبار المستثمرين فى صناعة الغزل والنسيج خاصة أصحاب المناطق الحرة الخاصة.
وأوضح كيف تأثرت صناعة النسيج سلباً بهذه السياسات حتى أصبحت مهددة بالتوقف والانحسار بسبب تهريب منتجات النسيج لداخل البلاد وتهريب الخام لخارجها فى ظل غياب الرقابة على المناطق الحرة والمنافذ الجمركية، مع الارتفاع المستمر لأسعار الغزول المحلية وقلة إنتاج محصول القطن المحلى ونقص المساحة المنزرعة منه من مليون فدان تقريباً إلى حوالى 100 ألف فدان، وإغراق البلاد بالغزول السورية والهندية الرديئة، واستيراد قطن الشعر من السودان وليبيا ولجوء الكثير من المصانع ومنها المصانع الكبرى التى كانت لها سمعة محترمة محلياً وعالمياً، مثل "مصر- المحلة" إلى خلط الأقطان الرديئة المستوردة بالقطن المحلى، بل وأحياناً بمواد غير قطنية للتغلب على نقص الغزول وارتفاع أسعارها.
أشار بركات إلى سعى بعض المستثمرين الكبار إلى غلق المصانع الصغيرة مع بدء تشغيل مصانع الاستثمارات الأجنبية التركية فى برج العرب، والصينية فى العين السخنة وغيرها، الأمر الذى أدى إلى تدنى أوضاع العمال وشروط العمل وبيئته والخدمات الاجتماعية والثقافية التى يستحقها العمال.
من ناحيته يؤكد النقابى حمدى حسين مدير مركز "أفاق اشتراكية" على أن الأوضاع الحالية والسياسات الراهنة، انعكست على شركات الغزل والنسيج التابعة لقطاع الأعمال العام، فتدهور إنتاجها وساءت إدارتها واستشرى الفساد فى أغلبها وتقلصت أجور العمال وحرموا من الحوافز وطرد العمال من مساكنهم الإدارية، وساءت أوضاع الأمن الصناعى فكثرت إصابات العمل، التى أدت معظمها لحالات الوفاة، خصوصاً فى شركتى غزل المحلة والدلتا للغزل، ونتيجة لذلك أجبر الآلاف على الخروج على المعاش المبكر، وحل محلهم عمالة مؤقتة تعانى من الاستبعاد والتهديد بالفصل وإنهاء عقودهم المؤقتة فى ظل أوضاع مقيدة للحريات وغياب للثقافة العمالية، وعدم تمثيل حقيقى للعمال فى المجالس النيابية والمحليات وكذا مجالس الإدارات والنقابات.
استعرض حسين أوضاع العمال فى القطاع الخاص والقطاع الاستثمارى مؤكداً على أنهم الأكثر عدداً والأشد معاناة وقسوة، فالحماية القانونية والنقابية غائبة تماماً وأغلب موظفى مكتب العمل والتأمينات الاجتماعية يعملون عند أصحاب الأعمال، فكيف لهم أن يقوموا بالرقابة على تلك المصانع؟ ومع ازدياد توحش أصحاب الأعمال زادت حالة العمال سوءاً، فلا ضمان اجتماعى ولا تأمين صحى وغاب الأمن الصناعى (النساجون الشرقيون وأبو السباع)، وتعددت حالات الفصل التعسفى تقريباً فى جميع الشركات الاستثمارية والخاصة. هذا عدا التوقف التام لشركات ادعت الخسارة أو التى هرب أصحابها، وحرم عمالها من الأجور ولا ينظر إليهم إلا بعد أن يحتجوا.
قال حسين إن أصحاب الأعمال يرفضون صرف العلاوة الاجتماعية أو ضمها وفى أغلبية الشركات والمصانع لا تصرف العلاوة الدورية وإذا صرفت فلا تصرف على الأجر الشامل، ويعمل العمال ما لا يقل عن 12 ساعة فى اليوم فى أكثر ظروف العمل صعوبة وأشدها قسوة.
وكشف حسين أن الاحتجاجات العمالية فى قطاع الغزل والنسيج كانت نتيجة أوضاع اجتماعية واقتصادية متنوعة وتنوعت الاحتجاجات ما بين توقيعات على عرائض وتظاهرات واعتصامات وإضرابات ووقفات احتجاجية، شملت أكثر شركات الغزل والنسيج فى القطاع الخاص والاستثمارى وقطاع الأعمال العام (مكارمكو- النساجون الشرقيون- تراست- العامرية- شبين – السامولى- الجندى – أبو السباع- القليوبى والمسيرى- غزل دمياط – غزل الوسطى- غزل الدلتا- غزل المحلة) وتنوعت المطالب التى احتج العمال من أجلها، ما بين تحسين الأجور والمطالبة بظروف عمل أفضل فى الأمن الصناعى، وبدل طبيعة العمل والغذاء والإضافى والراحات والإجازات، ومحاربة الفساد ورفض نتائج الانتخابات العمالية والمطالبة بعزل النقابات وصولاً للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور لـ 1200 جنيه والمطالبة بعزل الفاسدين من رؤساء الشركات وأعضاء مجالس الإدارة، واستعمل العمال فى احتجاجاتهم البيانات والنشرات وكذلك نظم العمال أنفسهم داخل لجان ضاغطة بعيداً عن اللجان النقابية الرسمية ونجحوا فى الفوز بالعديد من المطالب وأخفقوا فى بعضها.
على جانب آخر تؤكد الباحثة غادة رجائى على دور عمال النسيج فى الحركة النقابية على مدى المائة عام الماضية، على اعتبار عمال النسيج يمثلون أكبر وأهم قطاعات العمال فى مصر، فصناعة الغزل والنسيج كانت الصناعة الأولى المحلية فى مصر خلال القرن الماضى، وفى منتصف السبعينيات ووصلت نسبة عمال النسيج إلى 55% من عمال الصناعة.
وتشير غادة رجائى إلى أن نسبة السيدات بين العاملين فى صناعة الملابس الجاهزة تبلغ 90%، وتعتبر أوضاعهن الأسوأ بين كل قطاعات صناعة الغزل والنسيج.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة