القمة الاقتصادية العربية المزمع عقدها فى الكويت عام 2009، لم تكن بدعة من البدع العربية أو فكرة وليدة، بل إن أدراج ومكاتب الجامعة، تزخر بالعديد من القرارات الصادرة عن القمم العربية بداية من قمة عمان مارس 2001، حتى عثر عليها الكويتيون والمصريون، فنفضوا الغبار عنها وأعادوا تأهيلها وتنشيطها، وأخذوها معهم إلى قمة الرياض 2007. وفى هذه القمة قدمت الكويت ومصر اقتراحا مشتركا بعقد القمة الاقتصادية، فحاز موافقة القادة العرب، وصدر قرار جديد بـ "عقد قمة عربية تخصص فقط للشؤون الاقتصادية والتنموية والاجتماعية".
ورحب الكثيرون بهذا القرار، ولكن التجربة السابقة جعلت البعض يبدى تخوفه من تكرار تجربة عام 2001، فتضيع القمة مرة أخرى وتضيع معها الآمال المعلقة على تنمية التعاون الاقتصادى بين الدول العربية، فهل لهذه المخاوف من مبرر؟
لعل الإعلان عن تشكيل هيئة لتنسيق النشاطات التحضيرية للمؤتمر، وعن اختيار 180 مشروعا، والتى عرضت فى قمة دمشق 2008، بدد بعض هذه المخاوف وطمأن المتخوفين إلى أن القمة ستعقد هذه المرة، وتحقق الآمال المعقودة عليها فلا تضيع مرة أخرى، كما ضاعت فى السابق. إلا أن هناك بعض المؤشرات والاعتبارات التى تبرر المخاوف.
إن بعض الترتيبات التحضيرية للحدث العربى المرتقب، تثير الخشية من تحوله من مؤتمر قمة يحضره القادة العرب، ويلقون بثقلهم وراءه من أجل دفع مشاريع التعاون العربى الاقتصادى، إلى مؤتمر وزارى يضم مسؤولين، لا يملكون سلطات كافية لتفعيل هذه المشاريع. هذه المخاوف تستند لدى معنيين بالعمل العربى المشترك إلى أمرين رئيسيين:
الأول، هو التغاضى عما جاء فى قرار قمة الرياض بصدد الجهات التى ينبغى تكليفها واشراكها فى عملية التحضير للقمة الاقتصادية.
فقمة الرياض أقرت تكليف المجلس الاقتصادى والاجتماعى التابع لجامعة الدول العربية مع الأمانة العامة للجامعة بالإعداد للقمة الاقتصادية، إلا أنه تم تجاهل دور هذا المجلس، فضلا عن تجاهل مجلس الوحدة الاقتصادية العربية التابع للجامعة واستحداث إطار جديد للإعداد للقمة. هذا المنحى فى التحضير للقمة، وبخاصة تجاهل دور مجلس الوحدة الاقتصادية الذى يملك خبرة واسعة فى مسألة التعاون الاقتصادى العربى، يثيرعدة تساؤلات أبرزها:
إذا كان المطلوب النظر إلى القمة الاقتصادية كمحطة مهمة لـتطوير وتفعيل منظومة العمل العربى المشترك، ولضرورات الإصلاح والتحديث فى الدول العربية، كما جاء فى قرار قمة الرياض المتعلق بالقمة الاقتصادية، فإنه من المفروض أن ينفذ القرار عبر التعاون مع المجلس الاقتصادى والاجتماعى للتحضير للقمة الاقتصادية، وأن يسند إلى مجلس الوحدة الاقتصادية العربية دور أساسى فى عملية التحضير. وهنا يصح القول: قل لى كيف ومن يُحضر للمؤتمر، أقول لك أية قمة تريد.. وما هى القمة التى ستحصل عليها؟
الأمر الثانى، أن قمة الرياض اعتبرت أن الهدف من عقد القمة الاقتصادية العربية هو تعزيز وتفعيل الاستراتيجيات التنموية الشاملة، وأشار القرار المتعلق بالقمة إلى عدد من الخيارات الفرعية التى تخدم هذا الاتجاه العام. وتركت القمة إلى المجلس الاقتصادى والاجتماعى مهمة دمج هذه الخيارات فى الاستراتيجية العامة عبر تكليفه بالإعداد للقمة. وكما يعتقد العديدون من المعنيين بتفعيل التعاون الاقتصادى العربى بأفق تنموى، فإن أهم إنجاز يمكن للقمة الاقتصادية العربية المقبلة تحقيقه هو، كما جاء فى قرار القمة نفسه، تفعيل الاتفاقيات الثنائية والإقليمية.
تفعيل هذه الاتفاقيات يعنى، فى إطار العمل الجماعى العربى، لتركيز على تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى (غافتا). فهذه المنطقة لا تزال وليدا لم يكتمل، كما يرى اتحاد الغرف العربية، مادامت العقبات غير الضريبية تسد الطريق على تنمية التجارة العربية البينية. والتغلب على هذه العقبات يحتاج فى الدول العربية التى تتسم بأنظمة المركزية الشديدة، إلى تدخل القادة العرب أنفسهم حتى يزيحوا تلك العقبات من طريق التجارة البينية العربية.
الانتقال إلى الاتحاد الجمركى العربى وإلى السوق العربية المشتركة، لا يشترط الانتهاء من مرحلة تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. ففى بعض القطاعات يمكن اتفاق الدول العربية على سياسة جمركية مشتركة، تحدد طابع العلاقات قبل إنجاز مشروع "غافتا". كذلك فإن العمل من أجل إقامة سوق مشتركة عبر مشاريع العمل المشترك لا يشترط تحرير التجارة البينية العربية تحريرا كاملا. فى الحالات كافة، فإن التركيز على هذه الاتفاقيات وإيجاد الآليات المناسبة لتفعيلها ولمراقبة الالتزام بها وتوفير التعويضات المناسبة والجزيلة، للذين يخسرون من جراء قيامها، يختزل العديد من الخطوات التعاونية الفرعية التى اقترحتها قمة الرياض 2007، وأكدتها قمة دمشق 2008 . فموجبات الأقلمة تملى إعطاء إتمام بناء "غافتا" والانتقال إلى الاتحاد الجمركى والسوق المشتركة أولوية على الأهداف الأخرى.
وإذا كانت الدول العربية تتهافت على إسرائيل وأوروبا، من أجل تحرير التجارة البينية فمن الأولى أن يتم ذلك عربيا عربيا، على الأقل سيساعد ذلك على فتح أسواق جديد من شأنها سد الفراغ السلعى، كما أن هناك نقطة مهمة أن الاقتصاد العربى يواجه مشكلة تكرار الصناعات التكميلية فى دول الخليج النفطية بضمنها العراق، تنتج وتصدر نفس البضائع النفطية، بينما تستوردها باقى الدول العربية كمنتج استهلاكى من أوروبا.
كما أن هناك مشكلة العملة العربية الموحدة وارتباط عملات العديد من البلدان العربية بالدولار الأمريكى، الذى يفقد كل يوم هيبته فى سلة العملات العالمية، وإن كان هناك حديث عن عملة خليجية موحدة سترى النور أواخر هذا العام، فأين العملة المغاربية الموحدة، وهل هناك نية لاندماج شكلى على الأقل بين المصارف والبنوك العربية، إذا كان هناك مشكلة وحدة نقدية عربية. وأين بنك الغذاء العربى؟ وبنك التنمية العربى؟
إن هناك مشكلة نقدية عربية تتركز فى فشل السياسات النقدية العربية، وتبعيتها إلى سلة العملات الخارجية وضعف الأداء البنكى العربى، وكثرة التشريعات النقدية كلها عوامل أضاعت فرصة تحقيق حلم عملة عربية موحدة.
أما بخصوص حل مشكلة البطالة العربية، فإن من المناسب رفع الاستثمار العربى سنويا من 20 % من الناتج العربى المحلى الإجمالى إلى 30%، أى بواقع ستين مليار دولار كل عام. أى أن الإجمالى المطلوب على مدار عشر سنوات، سيكون ستمائة مليار دولار يجب استثماره فى جميع نواحى الحياة من بنية أساسية، وطرق واتصالات، وكهرباء، وتعليم وصحة وزراعة، وصناعة وغيرها، كل هذا سيدفع باتجاه استيعاب أكبر عدد ممكن من البطالة فى العالم العربى، الذى يعد من أكبر مناطق العالم معرفة بأنواع وأشكال البطالة.
لقد انشغل القادة العرب طويلاً بالخلافات الشخصية، ولم تخلوا أى قمة عربية من تراشق بالألفاظ، وصل حد السب والقذف، فهل حان الآن دور الاهتمام بالمشاكل الاقتصادية، بعيدا عن المتاهات السياسية العربية التى تكاد لا تنتهى، بل تزداد تشعبا وعمقا؟ وهل ما سيصدر من قرارات سيكون حبراً على ورق كاسابقاتها من القرارات التى تجاوزت مائتى قرار، صدر خلال العشرات من القمم العربية منذ قمة أنشاص وحتى قمة دمشق، وللإجابة عن كل تلك التساؤلات، يظل مفتوحاً هذا الملف حتى يناير 2009، موعد القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة