أيوب مصر يحيى وديع الصافى

صندوق للزبالين من رسوم النظافة

الجمعة، 20 يونيو 2008 03:06 م
صندوق للزبالين من رسوم النظافة رايحين على فين - تصوير محمود البرغوثى
كتب محمود البرغوثى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حينما يعود شبح رسوم النظافة على فاتورة كهرباء المصريين مرة أخرى، يجب أن يسأل عمال النظافة عن نصيبهم من هذه الأموال التي تقدر بالمليارات سنويا، ولا يعرفون أين تذهب، وفيما تنفق.
في هذا التقرير فكرة بتخصيص صندوق إنساني اجتماعي للزبالين المصريين ولو بنسبة من أموال رسوم النظافة.

فين يا قلبى مرسانا
وفين السكة وخدانا
لا أنا عارف لمين أبكى
ولا عارف لمين أشكى

حينما غنى وديع الصافى أغنيته الجميلة "يا ليل الصبر"، لم يخطر فى باله أنه سيفجر ينبوع القهر من قلب عم أيوب، العامل فى هيئة نظافة وتجميل القاهرة (اسمه الحقيقى ليس أيوب لكننى استعرته من موال الصبر الأيوبى).

بلغ الرجل من العمر 57 عاماً، وينتظر بفارغ الصبر سن المعاش، حيث يعمل فى هيئة نظافة وتجميل القاهرة، التى التحق بها عام 1971 براتب شهرى قدره 7.5 جنيه، حتى يستريح فى ظلال مصلحة المعاشات والتأمينات الاجتماعية، حتى لو كان راتب المعاش أقل من راتبه وهو فى ميدان مكافحة نفايات البشر المستورين.

يقول عم أيوب إنه تمكن أيام زمان من تربية أولاده بهذا المبلغ، قاصدا دون أن يحكيها، أنه مر بهم من عنق الزجاجة، حيث رباهم وعلمهم، أيام كانت اللحمة بـ 25 قرشاً، قبل أن يقفز إلى جنيه عام 1977 ليغنى الشعب المصرى لسيد مرعى ـ رئيس مجلس الشعب وقتذاك ـ "سيد مرعى يا سيد بيه الكيلو اللحمة بقى بجنيه"، وذلك فى 17 و18 يناير خلال (ملحمة الخبز الشهيرة وليست انتفاضة الحرامية كما سماها السادات).

أما الآن، يقول عم أيوب بـ "كرشة" نفس حارة، "والله يابنى مانى عارف الناس بيربو أولادهم أزاى، كانت مصاريف المدارس أيام عيالى 27 قرشا، والآن باسمع أنها 27 ألف جنيه فى مدارس أولاد الذوات".
الرجل الذى يمشى محنى الظهر، يرى أن "سكته أيضا محنية"، بمعنى أنه لم يعد يرى المستقبل فى ظل راتبه الذى تضخم 50 ضعفا منذ أول تعيينه، ورغم ذلك لم يعد فى استطاعته اللحاق بصاروخ اللحمة، لأن سعرها تضخم 200 ضعف، خلال 30 عاماً.

كان عم أيوب يستطيع أكل اللحمة مرة أسبوعيا (أيام كان الحب لى أمل الدنيا ودنيا أملى) يقصد أيام كان سعر الكيلو 25 قرشاً، وكان راتبه 7.5 جنيه فقط، أما الآن فلم يعد يرى اللحمة إلا فى المناسبات، هو وزوجته الباقية تؤنس وحدته، "بعد زواج الأولاد وفٌرقة العزوة"، أو إذا حن عليه رجل مستور بكيلو من عقيقة أو أضحية.

اصطحبت عم أيوب عشر دقائق "للدردشة" داخل مقصورة السيارة المكيفة فى حر الظهيرة، فأيقنت أن الرجل يستجم على المقعد كأنه فى الجنة التى وعد الله بها أمثاله، أحسست أن الرجل يتمنى لو طال حديثى معه فى هذا الجو، ليخزن منه بعض الشىء، فأيقنت - ونصيبى على الله - أن الجنة لهؤلاء فعلاً، وليس للعدائين وراكبى الدراجات - كما قال محمد الماغوط.

كان وديع الصافى يغنى وصوته ينساب من سماعات كابينة السيارة – بتقنية الصوت المحيطى – فلاحظت دموعا طفرت من عينى الرجل، كما تخيلها وديع الصافى حين غنى (يا ليل الصبر).

وفى أقل من ثانية، خطرت فى بالى مظاهرات العاملين فى النظافة فى الجيزة والقاهرة اعتراضا على ظروفهم الخاصة بالعمل (عقود عقيمة)، حيث سألنى: "هى رسوم النضافة بتروح فين يا أستاذ، إحنا زى الجمل اللى ما بيكلش من حمله".

أوحى الرجل البسيط بفكرة تتفوق على دماغ كل وزراء التضامن أو التأمينات الاجتماعية السابقين والمقبلين، طرحها فى سؤال برىء أتولى أنا صياغته، ماذا لو دفع المصريون فعلا 3 جنيهات كل شهر على فاتورة الكهرباء، شرط أن تستغنى عنها الدولة لتأسيس صندوق لهؤلاء، يحميهم فى حالة العجز والمرض أو ضيق الحال؟ "والله يابنى الناس اللى رافضين رسوم النضافة النهاردة، هيدفعوا وهم مبسوطين، لو ضمنوا أن الرسوم دى فعلا هتتصرف فى عمل يرضى ربنا".

فجر الرجل قنبلة أخرى فى رأسى: ماذا لو اختفى رجل النظافة من مصر؟
المصيبة فى أننا شعب يرمى أكثر مما يأكله، ولنا أمثلة فى أيام كثيرة أضرب فيها الزبالون، حيث تراكمت الأكوام المهينة للبصر، وتصاعدت الروائح المثيرة لتقيؤ الأحشاء، قبل المعدة.

قبلت عم أيوب وودعته، وأصررت أن أطبع القبلة على يده الشريفة، فظن الرجل أنه فى مسرحية عبثية، على أنغام وديع وهو يقول من الأول:

يا ليل الصبر يا مسهر دموع العين
أنا ملاح وتاه منى سوى الشطين
مسير الصبر هيوصل مراكبنا
ونتقابل أنا وانت وحبايبنا





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة