لم يعد السؤال المطروح الآن على الساحة الدولية، فيما يتعلق باحتمالات الحرب على إيران، هو هل تذهب الولايات المتحدة الأمريكية إلى مواجهة إيران، فى ظل إدارة أمريكية باتت عرجاء، وغير قادرة على تنفيذ مخطط من هذا النوع، وخاصة أنه قد آن رحيلها؟
لكن بعد أن تحولت تلميحات سياسيى وعسكرى إسرائيل إلى تصريحات علنية ومكررة، بات الأمر قائما، وأصبح السؤال المفروض حاليا: هل تقبل إسرائيل على الدخول فى مواجهة من هذا النوع بشكل منفرد، دون الولايات المتحدة التى خاضت فى العقود الأخيرة سلسلة من الحروب فى المنطقة، استفادت منها الدولة العبرية؟
أخذت هذه التصريحات أخيرا، محمل الجدية بعدما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسئولين أمريكيين، أن مناورات على مستوى عال، جرت فى إسرائيل أخيرا لهذا الغرض. وجاء تعليق وزارة الدفاع الأمريكية على المناورات الإسرائيلية مبنيا على أساسين، أولهما: التدريب على تكتيكات الطيران المتعلقة بأى ضربة محتملة، ضد المنشآت النووية الإيرانية وقذائفها طويلة المدى. وثانيهما إرسال رسالة للولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، بأن إسرائيل على استعداد للتحرك العسكرى، إذا لم تفلح الجهود الدبلوماسية الرامية إلى حث طهران على إيقاف برنامجها النووى.
وقال المتحدث باسم البنتاجون "لقد أرادونا أن نعلم، وأرادوا للأوربيين أن يعلموا والإيرانيين أيضا، أن هناك مستويات عديدة من الإيحاءات. لقد تدربوا على ذلك وسوف يستمرون، وإذا احتاجوا لفعل ذلك – القيام بالهجوم – فسوف يفعلون".
البنتاجون أكد إذن، ما كشفت عنه "نيويورك تايمز"، بل أكد أن مسئولين إسرائليين أخبروا نظراءهم الأمريكيين، بأن ما قاله شاؤول موفاز وزير الدفاع السابق، ووزير النقل فى الحكومة الحالية بشأن إيران فى وقت سابق، لا يمثل السياسة الرسمية لتل أبيب ، لكنهم أبلغوهم بوجود خطط موجودة لشن هذه الضربات على إيران، لكن فقط إذا احتاجتها إسرائيل".
سعيد عكاشة الخبير فى الشئون الإسرائيلية، يرى أن الأمر برمته يأتى فى إطار الحرب النفسية المتوالية بين تل أبيب وطهران، وقال : يتم تسريب هذه النوعية من الأنباء، لأن إسرائيل ترى أن إيران، يمكنها خلال العامين القادمين أن تمتلك هذه القوة النووية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتحرك، وهذه المعلومات التى يتم تسريبها جزءاً منها صحيح، وتشير إلى إمكانية ضرب البنية التحتية للمشروع النووى الإيرانى، أو تعطيله، وليس بالضرورة الهدف إلى القضاء عليه، لأن أى جيش يحسب مصادر التهديدات عليه، وإسرائيل ترى أن إيران هى العدو الأول لها الآن، وكل التصريحات الرسمية تقود إلى هذا التصور، سواء تصريحات أولمرت أو موفاز أو حتى إيهود بارك.
غير أن اللواء سامح سيف الليزل الخبير فى الشئون العسكرية، يرى أنه وإن كان من الصعب أن تذهب إسرائيل إلى هذه الحرب وحدها دون الولايات المتحدة، وقال: إن حدث هذا سيكون نوعاً من الجنون الإسرائيلى، سيقود المنطقة إلى حافة الهاوية، وبالتالى فمن المفترض أن يكون هناك تنسيق على المستوى الاستراتيجى، وأن تحصل تل أبيب على ضوء أخضر من واشنطن لخوض هذه المعركة، التى قد تريد التبكير بها قبل وصول إدراة أمريكية جديدة سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين فأى رئيس لن يرضى أن يدخل فى مواجهة مباشرة فور وصوله للحكم، وهناك تجربة واضحة من الحرب على العراق .
حلفاء إيران لم يقفوا مكتوفى الأيدى تجاه التصريحات الإسرائيلية ، فحليفتها روسيا كانت أول المعقبين على الأمر، جاء على لسان سيرجى لافروف وزير الخارجية، الذى ذكر بخطر تكرار سيناريو العراق مع إيران، وقال خلال مؤتمر صحفى عقده فى موسكو إن على السياسيين ووسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية أن يتحملوا مسئولياتهم، وأن يكونوا واضحين فى اتهاماتهم، فى إشارة إلى الاتهامات الأمريكية والإسرائيلية ضد إيران بأنها بصدد امتلاك سلاح نووى. وأن هذا ينبغى أن تستند إلى وقائع، مشيرا إلى الوقائع المزعومة، التى طرحت مثلها قبل مهاجمة العراق.
عكاشة يرى أن المسألة لن تكون فى شكل الحرب المتوقعة، إذ أنها ستكون نوعا من الحرب الانتقائية القصيرة، وقال إذا كان هذا السيناريو واقعياً فمن الصعب الحديث عن تدمير نووى كامل، فالإيرانيون أضحى لديهم خبرة كافية ومسبقة فى هذا الأمر، بالنظر إلى ضربة إسرائيل السابقة للمفاعل النووى العراقى، وهو ما جعلها احترازيا، تقوم بتوزيع المنشآت الخاصة بها فى طول وعرض البلاد. وأضاف: وجود تدريبات عسكرية من هذا النوع، من الممكن أن يكون الهدف منها هو ضرب المفاعل النووى أو شبكة الصورايخ الإيرانية.
إيران التى تطرح نفسها كقوة إقليمية وعسكرية، وأنها قادرة على ردع إسرائيل، لكن تقف موقف المتفرج على إسرائيل، خاصة حين يتعلق الأمر بمشروعها القومى، ويقول اللواء الليزل: حسب المعلومات المتوفرة، فمن المفترض أن إيران طورت قدرة الصورايخ التى لديها، ليصل مقدارها الى أبعد من 280-300 كم، وهى مسافة تصب فى العمق الإسرائيلى وتعدت حدود إسرائيل، وبالتالى تمتلك إيران قوة الردع الكافية، لكن مواجهات من هذا النوع ستكون حالة من الجنون.
سوريا حلفية إيران هى الأخرى، والتى ركبت قطار المفاوضات مع إسرائيل مؤخراً، كانت حريصة على إرضاء حليفاتها، بالتأكيد على أن تلك المفاوضات لن تفك هذا التحالف القائم، وهو ما يطرح سؤالاً حول مدى تداعيات سير المفاوضات حال قيام إسرائيل بما عزمت عليه ؟ وهو ما علق عليه عكاشة بقوله "المفاوضات السورية ليست بالضروة، سيكون لها تداعيات لأن طرفيها أولمرت والأسد كلاهما، يواجه عزلة سياسية، أحدهما يواجهها فى الداخل والأخير من الخارج، بل إن أولمرت مرشح بقوة للخروج من الحياة السياسية، وبالتالى فالمفاوضات ما هى إلا استعراض للنوايا الحسنة من قبل الطرفين ذات مغزى حسابى، يدركة كل طرف". وفى النهاية لن يكون لها تأثير كبير على احتمالية الحرب على الجبهة الإسرائيلية الإيرانية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة