إبراهيم فاروق

سوريا تعلق لافتة "ممنوع دخول الصحفيين"!

الأربعاء، 18 يونيو 2008 12:55 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تساقطت فى مطار دمشق حناجرنا العربية وقواميسنا القومية المهيبة التى طالما تشدقنا بها، وأغانى وحدتنا التى لم ولن تكتمل. والحكاية ببساطة ودون مزايدات البعض بأننا نزيد لهيب حرارة الصيف العربى الساخن درجة واحدة، بينما كانت مضيفة الطائرة المصرية المتجهة من القاهرة إلى دمشق تعلن بصوت لطيف أن درجة الحرارة فى العاصمة السورية 19 درجة مئوية وكنت آتيا لتوى من القاهرة المشتعلة نارا.

لست وحدى من الصحفيين والكتاب العرب الذين يحملون شوقا خاصا إلى جمال سوريا وروعة الشام.. جئت إليها هذه المرة فى مهمة عمل للمشاركة فى احتفالات مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين بيوم اللاجئ العالمى، وقد دعانى إليها صديقى الحبيب الفنان العراقى الموسيقار "نصير شمة"، وهو فنان يتحمل دوره الوطنى والإنسانى ويعرف كيف يسخر ما وهبه الله من شهرة وموهبة فى خدمة قضايا بلاده، وهو أيضا يشغل حاليا منصب منسق اللاجئين العراقيين الذين يصل عددهم إلى 4.5 مليون لاجئ يتوزعون بين سوريا والأردن ومصر، والعراق نفسه، وهو ملف غاية فى الخطورة والأهمية يضاف إلى مصائب شعبنا العربى فى العراق.

وقد أرسلتنى الأهرام لتغطية واقع هؤلاء اللاجئين، حيث يعيشون ظروفاً إنسانية أقل ما توصف به أنها صعبة، خاصة أن العراق كانت له أيامه العزيزة، لكن الحال تغير الآن وصار أساتذة جامعات وفئات كثيرة من المثقفين والخبراء فى ظل أحوال اللجوء يعملون أجراء باليومية، وهو ما يمثل ألما نفسيا بالغا على العراقيين قبل الألم المادى.

المهم.. غادرت مطار القاهرة الأحد الماضى حاملاً هذا الحب إلى دمشق التى تتحمل أعباء هذا الملف وللعراق التى تعايشه.. وما إن وصلت مطار دمشق الخامسة والربع مساء حتى توجهت إلى شباك الجوازات، وكنت أعلم مسبقا بأن معاملة خاصة يلقاها الصحفيون هناك، نظرا لدواعى أمنية، وهو أمر اعتدناه جميعا كصحفيين ونعرفه، لكن الأمر يجتاز هذه الوقفة المعتادة إلى محبة خالصة تربطنا بسوريا وتربطها بنا فى مصر وهى الشقيقة الصغرى وستظل.

وما إن قدمت جواز سفرى لرجل الأمن الجالس، ونظر فيه حتى قال لى : أنت صحفى، فقلت : نعم.. هذا هو المكتوب بالجواز كما ترى، فناول الجواز لزميله الذى غاب عن ناظرى لدقائق أخرى حتى صارت تقريبا السادسة مساء، وعاد من دون الجواز ليقول لى : أستاذ إبراهيم أرجوك اصحبنى لمكتب الأمن، فصحبت الرجل على رأى المصريين " من غير خوانة ".. وفى مكتب الأمن قابلنى رجل أمن ثالث ممتلئ ومتجهم، من فئة صف الضباط.. يعنى شاويش أو هكذا يبدو ! وقال بلهجة سورية حاسمة : أستاذ إبراهيم لن تستطيع الدخول إلى سوريا للأسف، فهناك مرسوم يمنع دخول الصحفيين العرب والأجانب من تاريخه إلى نهاية حزيران ( شهر يونيه الجارى ).. ولم أستطع أن أتفوه بكلمة وهو يشير بأصبعه الضخم إلى ورقة المرسوم المعلقة على الحائط فى المكتب، ويضيف : والآن عليك مغادرة المطار عائدا إلى القاهرة فورا على نفس الطائرة التى جئت عليها والتى ستقلع فى تمام السادسة والربع، يعنى بعد 10 دقائق.. تصوروا، ووجدتهم يصحبوننى سريعا إلى بوابة الطائرة كأننى صندوق بضاعة مهمل، أو "شوال بطاطس " ! هكذا ولما حاولت سؤال أحد الضباط برتبة نقيب كان يجلس على مكتبه وأشار لى بيده، توجهت إليه وسألته : هل يصح أن يعامل الصحفيون بمثل هذه الطريقة، ثم لننسى أننى صحفى، ونتذكر بأننى مصرى وعربى، ولست خطرا على الأمن أو تكديرا لصفوه، ثم إن مصر وسوريا حالة خاصة جدا، وأن المستحيل التاسع والعاشر أن يلقى صحفى سورى مثل هذه المعاملة فى مصر.

كانت عيون موظفى المطار تكاد تبكى على كلماتى وما تعرضت له، ورجل الأمن يصيح فى العائدين "الطائرة عائدة فورا إلى مطار القاهرة".. وبالفعل كنت قد دخلت الطائرة لأجلس على آخر مقعد المخصص للمرحلين والمجرمين العائدين. وبعد أن أجريت اتصالا بنصير شمة والمفوضية، لم أستطع الانتظار لمراجعة محتملة أو استدراك واجب من قبل الكبار فى سوريا بعد أن تركت الأمور للصغار فدفعونى دفعا للمغادرة.

هكذا تجرى الأمور فى بلادنا العربية.. فمرسوم بمنع الصحفيين العرب والأجانب غير مبرر من دخول سوريا حتى آخر الشهر الجارى لم تبلغ به المطارات ولا نقابات الصحفيين، فكان يعفينا التعرض لمثل هذه المواقف المهينة فى دمشق الحبيبة، صحيح أننى عدت إلى القاهرة لترتاح نفسى فى وطنى رغم درجة حرارته المرتفعة.. وصحيح أيضا أننى تلقيت بعد عودتى اتصالا من السيد "عبده بلان" يعتذر لى عما حدث من الصغار، لكن هذا لم يشف غليلى من سلوك عربى تفشى فينا، وهو أننا صرنا فقط نطبق الأمر دون إعمال للعقل، ونرفع الصوت دون أن نعمل القلب والروح، فغطت الصورة الهراوة وتراجعت قيم الحضارة والثقافة والجمال.
كل هذا التراجع ومازلنا نصيح بالقومية العربية، وبالإخوة الأبدية، وننسى أننا أكلناها على موائد الجهل والتراجع والادعاء.
وصباح الخير يا عرب!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة