أشرف الليثى

السودان والدور المصرى المفقود

الأربعاء، 18 يونيو 2008 12:49 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السودان .. من منا لا يعرف السودان أو بالأحرى من منا يعرف السودان، هل أصبح لدى الشعب المصرى معلومات وافية عن هذا الجار الحيوى، هل مشاكله وأحزانه وأفراحه نشاركه فيها بالقدر الكافى، هل المشاكل التى تهدد بتقسيم السودان أصبحت تشغل حيزا مهما للمصريين؟ وفى النهاية، ماذا يمثل السودان من أهمية بالنسبة للسياسة المصرية، هل هناك دور مصرى مؤثر فى السودان؟ هل الإخوة السودانيون سواء أكانوا مسئولين أو من أفراد الشعب العادى لديهم أى إحساس بالمشاركة المصرية والتواجد المصرى معهم؟ هل الشقيق المصرى مازال له نفس القدر من الحب والاحترام فى قلوب السودانيين؟ تساؤلات كثيرة ومحيرة وأغلب الإجابات عنها للأسف بالنفى.

السودان يمثل لمصر قضية أمن قومى بمفهومها الواسع، وخطاً أحمر لا يمكن تجاوزه خاصة ما يتعلق بالمياه، حيث تأتى حصة مصر من المياه بالكامل عبر الأراضى السودانية من خلال النيلين الأبيض والأزرق، بالإضافة إلى أن السودان يعتبر بوابة العبور المصرى تجاه القارة الأفريقية، خاصة دول حوض النيل الثمانى غير مصر والسودان، فمصر تشهد حاليا حالة من الندرة المائية أدى إليها تزايد عدد السكان مع ثبات كمية المياه الواردة إلى مصر منذ اتفاقية 1959 (تقدر بـ55 مليار متر مكعب سنويا)، وتعيش مصر الآن تحت خط الفقر المائى (مقدارهذا الخط ألف متر مكعب للفرد سنويا، فى حين يبلغ متوسط دخل الفرد المصرى من المياه 985 مترا مكعبا عام 2000، ويتوقع أن يصل إلى خمسمائة متر مكعب فقط عام 2020).

وعلى المستوى الاقتصادى أظهرت أزمة الغذاء الأخيرة مدى أهمية السودان لمصر، حيث يمتلك السود ان أراضى زراعية شاسعة تعادل 48% من جملة الأراضى الزراعية فى الوطن العربى، أى ما يعادل حوالى مائة مليون هكتار، بالإضافة إلى المراعى الطبيعية الخصبة التى تصل مساحتها إلى 130 مليون هكتار، فى ظل وجود ثروة حيوانية هائلة تصل إلى 135 مليون رأس مع وفرة المياه العذبة من الأنهار والأمطار والمياه الجوفية، وتنبهت دول العالم إلى أهمية السودان، وسارعت سواء عن طريق حكوماتها أو مستثمريها إلى السودان للاستفادة من هذا الكنز الضخم من سلة الغذاء التى تستطيع بأقل مجهود تلبية احتياجات عدد كبير من سكان العالم ... كل هذا يحدث على مقربة منا وتحت بصرنا وسمعنا، ولكننا مازلنا نتعامل مع السودان بنفس المفاهيم السابقة.

مرة أخرى نعود إلى مفهوم الأمن القومى ببساطة ودون الدخول فى جدل نظرى فهو يعنى "الحفاظ على مقدرات وإمكانات البلاد من الأخطار"، سواء أكانت أخطاراً سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، ومن هذا المنطلق نرى فى السودان " قدراً" لا يمكن التنصل منه بل يزداد أهميته بالنسبة لنا، ويزداد خطأ فصله عن الإقليم المصرى إلا أن علينا أن نصلح الآن ما يمكن إصلاحه، فالدور المصرى الحقيقى غائب تماما عن السودان أو بالمعنى الأصح لا يرضى الطموح المصرى أو حتى تأمين الأخطار، التى من الممكن أن تهب علينا من هناك ولا يمكن الاكتفاء فقط بالشعارات .. وحدة المصير ووحدة الدم والعرق/ بكسر العين/ والأنساب والتاريخ كل هذه الشعارات أصبح يملها المصرى والسودانى، لابد من ترجمة حقيقية لها ولابد من إيجاد مصالح مشتركة تعمق وحدة الدم والمصير، ولابد للإنسان فى شطرى وادى النيل أن يحس بها، لابد من مراجعة كتب التاريخ والجغرافيا والتركيز بشكل كبير على هذا الإقليم الحيوى والمصيرى حتى نمحى الأمية المصرية تجاه السودان، ويتعرف الشعب المصرى على ما يجرى فى السودان كمعرفته على ما يجرى فى مصر، وعلى الأحزاب السودانية والمشاكل، التى تعترض الجنوب والغرب فى دارفور وحركات التحرر وأسباب الصراعات هناك لابد من إيجاد ثقافة شاملة عن السودان.

حقيقة الشعب السودانى يعرف كل كبيرة وصغيرة عن مصر وعما يجرى فى مصر وعن التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الرياضية فالشعب السودانى ينتمى إلى الأهلى والزمالك مثل انتماء المصريين، والشعب السودانى مولع بالإعلام والثقافة المصرية وجميع الكتب والإصدارات المصرية تقرأ فى السودان أكثر منها فى مصر، فالشعب السودانى مولع بكل ما هو مصرى، ولكن علينا أن نولع نحن أيضا بكل ما هو سودانى.

السودان حقيقة تاريخية وجغرافية لا يمكن التخلى عنها، وعدم الاستقرار السياسى فى السودان قد تكون له آثار اقتصادية وسياسية سيئة على مصر، ولذلك لابد للدور المصرى أن يكون أكثر فاعلية فى السودان بل ومتفهما للحساسية التى لدى الإخوة السودانيين فى تعامل مصر مع قضاياهم، ولعل من المفيد فى هذا الشأن أن نذكر الانعكاسات الاجتماعية والأمنية السيئة لمشكلة اللاجئين السودانيين فى ميدان المهندسين قبل ثلاثة أعوام تقريبا، واعتصام هؤلاء فى هذا الميدان بسبب رفض مفوضية اللاجئين منحهم حق صفة لاجئ، مما اضطر السلطات الأمنية المصرية إلى تفريق هذا التجمع بالقوة. وهو ما أثر بالسلب على العلاقة بين البلدين، وتلك المشاكل العارضة تترك أثارا كبيرة وعميقة، ولكن المصالح المشتركة أفضل طريق لمحو أى آثار.

حان الوقت أن نعمل سويا فى مصر والسودان على إيجاد واقع جديد يخدم المصالح المشتركة لشعبى وادى النيل، ونزيل ترسبات الماضى التى حاول الأعداء زرعها وتعميقها فى نفوسنا، وعلى الإخوة فى السودان أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم للمصريين، وعلى المصريين تفعيل مبدأ "الجار أولى بالشفعة" والدخول إلى السودان من خلال جميع الأبواب التعليم والصحة والاستثمار والتصنيع والزراعة، ولنتكاتف سويا من أجل دحض المؤامرات وإفشاء السلام والحفاظ على وحدتنا جميعا وإطعام ليس شعبى وادى النيل فقط ، بل والفقراء من شعوب المنطقة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة