باشرت إسرائيل وحماس الجولة السادسة من محادثات التهدئة بوساطة مصرية فى القاهرة الأحد، يقودها الوزير عمر سليمان، بحضور موسى أبومرزوق، نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس المفوض بإدارة المحادثات، والذى استمع إلى شرح تفصيلى حول رد إسرائيلى، كان عاموس جلعاد رئيس الطاقم الأمنى الإسرائيلى، قدمه فى زيارته الأخيرة للقاهرة الخميس الماضى.
تسربت بعض المعلومات عن المفاوضات، رغم إحاطتها بأجواء من السرية والتكتم، وقالت مصادر إن عملية التهدئة ستتم على ثلاث مراحل، تبدأ بوقف شامل لصواريخ القسام على الجانب الإسرائيلى، يعقبها إمكانية فتح المعابر "الإنسانية"، وإتمام صفقة الأسرى من خلال وساطة القاهرة، ويعقب ذلك الحديث عن تنظيم فتح معبر رفح.
طول أمد المفاوضات التى استغرقت 6 جولات، يعقبها جولات أخرى تتحكم بها مجموعة عوامل داخلية وخارجية، منها وجود صراعات سياسية داخل الحكومة الإسرائيلية ألقت بظلالها على خط سير المفاوضات، فحكومة أولمرت التى تبدو شبه عرجاء، ولا تستطيع اتخاذ قرار توافقى تشقها صراعات قطبية، "باراك ـ ليفنى" ضد سياسة أولمرت بالتهدئة مع حماس، حيث وجه باراك لرئيس حكومته اتهاماً مباشراً بأنه يرجئ عملية اجتياح غزة بهدف التغطية على شعبيته المنهارة، ومن ثم تأجيل انتخابات كاديما، وفى المقابل تأتى اتهامات باراك على خلفية طموحه فى خلافة أولمرت، وهو نفس الطموح الذى تسعى إليه تسيبى ليفنى، وزيرة الخارجية التى تطرح نفسها سياسياً على أنها نموذج مماثل لجولدا مائير، وعقب ظهور تقرير الحالة الصحية لأولمرت الذى أظهر إصابته بسرطان المثانة، فضلاً عن توجيه مكتب النائب العام له تهم فساد مالى سيحاكم على خلفيتها، أصبحت الظروف مهيأة أمام ليفنى لخلافة أولمرت بعد خلو منصبه لعجزه الصحى، الأمر الذى ألمح إليه مراقبون مؤخراً.
هناك إذن حرب داخل الحكومة الإسرائيلية، وإدارة العملية السياسية يحوطها فشل الإدارة بكل المقاييس، هكذا يرى سعيد عكاشة، الخبير فى الشئون الإسرائيلية، الذى يؤكد أن ثمة أهدافاً خفية وراء جولات التهدئة الجارية لدى كل الأطراف، فأولمرت من جانبه يريد التغطية على موجة الإزعاج السياسى العاتية من قبل الجناح المعارض له داخل حكومته، وذلك بإتمام صفقة شاليط التى ستعد حال نجاحها بمثابة "فرح قومى"، بعدها تعود الأمور إلى المربع الأول المدرج على قائمته التعاطى عسكرياً مع القطاع وتصفية كوادر حماس.
حماس هى الأخرى لديها تحت الأفق أهداف غير معلنة، فهى تريد تأمين كوادر ذات أهمية خاصة، ولا تعنيها جملة الأسرى قدر ما يعنيها قائمة بعينها، فضلاً عن أنها تهدف إلى إعادة حسابات مصالحها السياسية على أساس أنها لا تزال قوة لديها أدوات إدارة المعارك والمواقف، وليست قوة انتهى عصرها السياسى.
المسار السورى الإسرائيلى هو الحاضر الغائب على ملف المفاوضات، فإسرائيل تتعامل مع الملف كورقة ضغط، فإحداث تقدم على الملف السورى يرجئ حدوث تقدم على الجانب الفلسطينى، وتل أبيب وإن أبدت نوايا معلنة حول القبول بمحادثات السلام مع سوريا، لديها الوقت للعب على هذا الجانب فى انتظار قدوم إدارة أمريكية جديدة، فى ظل وجود دلالات قوية على ضعف إمكانيات الوسيط ـ تركيا ـ فى إتمام صفقة بهذا الحجم.
القاهرة التى ترعى الحوار على الجانبين، أعلنت أن المفاوضات تتقدم، وهدفها الرئيسى هو إنجاز عملية فك الحصار عن غزة، فحسب عديد من المراقبين تتحمل مصر أعباء الحصار، ولا تريد تكرار سيناريو اقتحام حدودها الشرقية تحت غايات، ظاهرها إنسانى وباطنها سياسى، وبالتالى يبقى الجميع رهن انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات السرية التى تحكمها عوامل داخلية وأخرى خارجية.
