أعلنت البحرين أنها عينت سيدة يهودية بحرينية عضو بمجلس الشورى سفيرة للبحرين فى واشنطن, وهو من الناحية النظرية قرار سيادى لا معقب عليه. وليأذن لى الإخوة فى البحرين أن أبدى بعض الملاحظات على هذا الحدث غير العادى دون حرج, لأن بعض القرارات السيادية تصبح عرضة للتقييم والتعقيب، مادامت تمس شأنا عاماً عربياً, وإلا لامتنع على الجميع نقد القرار المصرى بالصلح مع إسرائيل، رغم مخاطره الإقليمية بعيدة المدى.
أولاً: إن السيدة اليهودية تتمتع بكامل حقوق المواطنة، ولكن تعيينها سفيرة فى واشنطن وهى من طائفة صغيرة العدد كبيرة الأثر والتأثير, وفى واشنطن بالذات، يلفت النظر بشدة. صحيح أن من حق البحرين أن تتودد لواشنطن بالشكل الذى تشاء, كما أن القرار يشى بضغط أمريكى هائل لا تؤاخذ البحرين الصغيرة فى الاستجابة له مادام العالم العربى كله قد انبطح بشدة ودون استثناء.
ثانياً: إن تعيين سيدة يهودية عربية من المغرب أو تونس ذات الأقليات اليهودية المؤثرة، قد يكون مقبولاً نسبياً, لكن فى حالة البحرين يثير لغطاً أكبر. وقد تريد البحرين بتعيين سفيرة أن تضيف إلى سجلها مع الغرب بأنها لا تميز ضد النساء حتى على مستوى البعثات الدبلوماسية, وهذا مقبول, لكن أن تكون السيدة يهودية فهذا هو مربط الفرس.
ثالثاً: إن تعيين السيدة اليهودية قد يعنى أننا فى العالم العربى لا نميز بين أبناء الوطن الواحد حتى اليهود، بينما يعمل يهود إسرائيل على اقتلاع الفلسطينيين من بلدهم تحت ستار الأساطير التى تضمنها المشروع الصهيونى. والحق إن توقيت هذا القرار هو انقشاع للستار الرقيق الذى كان يغطى مفاوضات أولمرت وأبو مازن، والإعلان الصريح فى الكنيست من جانب بوش أن كل فلسطين تثير تساؤلات أكبر. وعلى المسرح الأمريكى سوف يفهم القرار البحرينى على أنه تشجيع لإسرائيل فى مخططها, وتحية لمرشحى الرئاسة الأمريكيين على تسابقهما لإرضاء إسرائيل وإذلال العرب، ومكافأة البحرين لإسرائيل فى عيد ميلادها الستين وتأكيدها على ضم القدس, فلم تتخلف البحرين فى حفل هدايا أعياد الميلاد عن غيرها من دول عربية أهمها مصر التى بعثت بأطيب تهانيها إلى إسرائيل فى ذكرى نكبة العرب, كما أهدتها صفقة الغاز تشجيعاً لها على حرمان قطاع غزة من مقومات الحياة.
رابعاً: المقطوع به أن اليهود يضعون إسرائيل فى مقام القداسة والأولوية المطلقة مهما كانت جنسياتهم، لأنهم يزعمون أنهم أمة واحدة وشعب الله المختار, والغريب أن أمة الإسلام فى القرآن الكريم والسنة المطهرة، لا يجرؤ أن يجاهر على الانتماء بها إلا من يخاطر بمنازلة مع أنبياء العولمة وأقطاب العلمانية والليبرالية، الذين يعترفون بخشوع بالأمة اليهودية المزعومة. وقد أظهرت التجارب والممارسات حقيقة انحياز اليهود إلى إسرائيل, ويضيق المقام عن إيراد الأمثلة, تكفى الإشارة إلى مئات حوادث تجسس اليهود الأمريكيين على دولتهم لصالح إسرائيل, وكان من أشهر الأمثلة تجسس مارتن أنديك السفير الأمريكى اليهودى السابق فى إسرائيل فنقل إلى الخارجية الأمريكية، أى بدلا من معاقبته تمت ترقيته وتعيينه مساعداً لوزير الخارجية أولبرايت لشئون الشرق الأوسط. وحتى لو كانت السفيرة البحرينية لا تنوى الانحياز لإسرائيل ضد البحرين, فإن اللوبى الصهيونى لن يترك لها فرصة فى هذا المجال.
خامساً: لعل هذا التطور عام 2008 هو أحد تداعيات الصلح التاريخى بين مصر وإسرائيل عام 1979 فإذا تخلى المتن, فلا تثريب على الهوامش, والعبارة لفاروق جويدة. خلال ثلاثين عاما انفرط العقد العربى وتوحشت إسرائيل, وتم اختراق الجسد العربى حتى سواحل الخليج.
سادساً: رحم الله السبعينيات من القرن الماضى، عندما رفضت السعودية مرشحاً يهودياً أمريكياً ليكون سفيراً لديها فاستجابت واشنطن على الفور, وبعد الصلح بين مصر وإسرائيل أصبح سفراء أمريكا فى العالم العربى، خاصة فى مصر من اليهود بوجه خاص, أى جواسيس لإسرائيل ضد كل من مصر وأمريكا, ولا نستبعد أن تكون الخطوة التالية هى اشتراط أن يكون السفير العربى فى واشنطن من اليهود.
سابعاً: يتزامن قرار البحرين مع المساعى الحثيثة فى الكونجرس الأمريكى، والقرارات الصادرة من مجلسيه فى 8 أبريل الماضى بالاعتراف بحق اليهود العرب فى التعويض, وهو جزء من الضغط على العالم العربى ومحاولات إسقاط حق العودة الفلسطينى.
فإذا وضعنا هذه الظروف جميعاً: وهى خطاب بوش فى الكنيست وتأكيده على حق شعب الله المختار فى فلسطين, وصمت العالم العربى, واستمرار خطة إبادة غزة وإغلاق المعابر من الجانب المصرى, وتسابق المرشحين فى الانتخابات الأمريكية على خطب ود اليهود وإسرائيل، وسوابق تجسس اليهود ضد أوطانهم لاتضح لنا أن حياد اليهود بين بلدهم وبين إسرائيل مستحيل, وكل مصلحة قطرية من وراء هذا القرار تبدو ضئيلة إذا قورنت بمقدار الضرر.
لا أخفى أننى أصبت بالصدمة من قرار تعيين مواطنة عربية يهودية، ولكنى آمل أن تكسر هذه الحالة تلك القاعدة العامة التى أشرت إليها وهى ولاء اليهود لإسرائيل وحدها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة