اللحظة التى تتوافق فيها إرادة القلة التى تملك السلطة مع رغبة الجماهير ورؤيتها للإصلاح، تكون بالتأكيد لحظة تاريخية فى حياة أى أمة. وفى غياب هذا اللقاء والعناق التاريخى للإرادات، تبقى الشكوك وعلامات الاستفهام عالقة حول تحركات القلة القادرة نحو الإصلاح.. هل هى تحركات جادة... ما هى الأسباب الحقيقية؟ وإلى متى تدوم تلك التحركات؟
وهذه الشكوك تحيط حالياً بالانفتاح الذى أظهرته السلطات الصينية فى التعامل مع كارثة الزلزال الذى ضرب البلاد يوم 12 مايو الماضى. فالصين صاحبة تاريخ فى قمع المظاهرات والرأى الآخر.. وربما أشهر مثال مظاهرات الطلبة الداعية للديمقراطية فى ميدان "السلام السماوى" فى بكين عام 1989، والتى مرت قبل أيام الذكرى التاسعة عشر لسحقها بالدبابات.
لكن الحكومة الصينية أظهرت انفتاحا غير مسبوق وشفافية فى التعامل مع زلزال سيشوان، بصورة حازت الإعجاب فى مختلف أرجاء العالم. فالسلطات تحركت بسرعة وأظهرت إحساساً عالياً بمعاناة الضحايا، وأتاحت الفرصة للمشاركة من المجتمع المدنى وللمتابعة الإعلامية والتدقيق العلنى فى رد فعلها على الكارثة، التى أودت بحياة حوالى 70 ألف قتيل على الأقل. ويمكن القول إن المجتمع الدولى شهد ما لم يكن يتوقعه من بكين صاحبة التاريخ المميز بالسرية والقمع وحملات الدعاية، التى تتحدى الحقائق وتفرض أستارا بين الشعب والعالم الخارجى.
وكان من الطبيعى أن تتزاحم علامات الاستفهام فى رؤوس المتابعين لتحركات السلطات الصينية، والعارفين بأساليبها التقليدية لمحاولة فهم الأسباب، وما إذا كانت عدوى الانفتاح الإعلامى يمكن أن تمتد إلى مجالات أخرى أم سيجرى تقليم أظافرها سريعاً. ويسود اعتقاد بين المتابعين بأن بكين استغلت الكارثة لاستثارة روح الكبرياء الوطنى، وانتهاج خط منفتح جديد قبل دورة بكين الأولمبية التى تنطلق فى الثامن من أغسطس القادم. ويبدو أن السلطات أحرص ما تكون على استغلال العرس الأولمبى لرسم صورة جديدة فى عيون العالم، تتفق مع تزايد القوة الاقتصادية والمكانة الدولية للصين. ويرى معسكر المتفائلين أن قطار الانفتاح لن يتوقف بعد الدورة الأولمبية، وأن المجتمع المدنى فى الصين سيشهد عهداً جديداً يرسخ مكانته.
لكن معسكر المتشائمين يعتبر أن الانفتاح الصينى سيلملم أوراقه بعد انتهاء العرس الأولمبى، الذى سيشهد توافد حوالى 30 ألف صحفى من أنحاء العالم على الصين. ويدلل هذا المعسكر على سلامة رؤيته بأن الانفتاح الصينى، لم يكن له أثر فى التعامل مع أزمة اضطرابات التبت مثلا أوائل العام. وفيما يتعلق بكارثة الزلزال نفسها كشفت السلطات عن وجه آخر، وتصدت بحزم لاحتجاجات أولياء الأمور الذين تظاهروا مطالبين بالقصاص من المسئولين عن أبنية المدارس التى انهارت ببساطة فى الزلزال على رؤوس الاطفال، فى حين صمدت أبنية حكومية أخرى غير بعيدة عنها. ولم يتضح بعد ما إذا كانت الحكومة ستعود لأساليب الغموض التقليدية أم ستقدم المتورطين فعلا –وليس كباش فداء- للعدالة فى هذا الملف وأيضا فيما يتعلق بالشبهات حول سلامة توزيع التبرعات المحلية والدولية للمنكوبين، والتى بلغت حوالى 5,8 مليار دولار، أم أنها ستقدم المتورطين الحقيقيين للعدالة.
وفى هذه الأجواء يبدو من السابق لأوانه القطع بحدوث تحول إصلاحى فى أساليب الحكومة الصينية.. فلابد من الانتظار لما بعد عرس الأولمبياد الذى يمثل لحظة للقاء الإرادات بين الجماهير والقلة صاحبة السلطة..فالحكومة تحتاج الى استرضاء الجميع لتجنب إفساد العرس.. وما بعد ذلك يتوقف على مدى استمرار لحظة لقاء الإرادات. ولا أستطيع تجنب السؤال عما إذا كان لقاء كهذا سيقدر لنا لو أن مصر فازت بتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2010 بدلا من جنوب أفريقيا؟ ربما كانت الحكومة وقتها ستشعر بحاجتها لنا. على أى حال دورات الأولمبياد والمونديال كثيرة.. وربما يسعدنا الحظ يوما بلقاء مع الحكومة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة