المقاومة اللبنانية المتمثلة فى حزب الله لن تتنازل عن سلاحها، واستخدمت السلاح فى الداخل مضطرة ووجودها ضرورى فى لبنان، وفى العراق استطاعت أمريكا تحويل دفة المقاومة لتوجه سلاحها إلى الطوائف العراقية بدلا منها، وإسرائيل تضيق الخناق على سوريا حتى تسقط وترضخ .. هذه بعض آراء اللواء محمد على بلال فى المقاومة العربية الموجودة على الساحة الآن، نتعرف إليها بالتفصيل فى الجزء الثانى من حوارنا معه ...
سلاح حزب الله فى 2006 كان باتجاة إسرائيل وانتصر عليها، (وقبل أن أكمل سؤالى قاطعنى قائلاً :)
حزب الله لم ينتصر وإسرائيل لم تنهزم وكلاهما لم يحقق هدفه، فالجيش الإسرائيلى هدفه أن يقضى على حزب الله، ولم يستطع لكنه أحدث خسائر هائلة فى لبنان، وحزب الله أيضآ لم ينتصر فى سحق القوات الإسرائيلية، ويمكننا القول إن حزب الله منع إسرائيل من تحقيق أهدافها، ولم يتحقق الانتصار لأى من الطرفين.
ألا ترى أن حزب الله حقق انتصاراً بمعايير موازين القوى؟
موازين القوى المجردة شئ مختلف، فلو احتكم إلى موازين القوى تستطيع إسرائيل القضاء على أى دولة فى المنطقة، لأن موازين القوى العسكرية بين إسرائيل والدول العربية معروفة، والدول العربية- باستثناء دولتين على الأكثر- يحصلون على الأسلحة من الغرب وأمريكا بصفة أساسية، وإسرائيل أيضاً تحصل على نفس الأسلحة التى تختلف فى الإمكانيات، وإن كانت الأسماء متشابهة بما يعطيها التفوق الكمى والنوعى وبالتالى تستطيع هزيمة أى دولة، لكنها لا تستطيع هزيمة المقاومة أو تصفيتها وبالتالى لا يصح أن يكون الحساب بموازين القوى المعروفة عسكرياً.
وما تقديرك للمقاومة فى العراق؟
الرئيس الأمريكى أعلن فى 2003 أن الأمريكان انتصروا انتصارآ كاملاً، ثم تراجع فى 2005 ليعلن أنهم لم ينتصروا انتصاراً كاملاً، لأن الانتصار العسكرى الذى حققته أمريكا فى البداية واجهته المقاومة، وأوجعت الجيش الأمريكى واضطرت بوش للتراجع عن إعلانه فى آخر الأمر.
"حزب الله" وجه سلاحه فى الأحداث الأخيرة للداخل اللبنانى، كيف تقرأ هذا التصرف؟
"حزب الله"وجه جزءا من سلاحه للداخل كنوع من الاعتراض على قرار مجلس الأمن، بنزع سلاحه وبعد المحاولات التى استهدفت تجريده من شبكة اتصالاته، و تصرف بحكمة عندما تراجعت حكومة السنيورة عن قراريها، سبب المشكلة وانتهى الموقف.
هل تعتقد أن حزب الله سيلتزم بالاتفاق الذى وقع عليه بعدم استخدام السلاح فى الداخل؟
هذا الاتفاق يمنع حزب الله من استخدام سلاحه فى أى مشكلة سياسية داخلية، لكنه لم ينص على عدم استخدامه فى المشاكل العسكرية بما فى ذلك اتفاق الدوحة، الذى نص على أن سلاح حزب الله سيترك للبنانيين أنفسهم، إلا إذا تدخلت دول أخرى، ونرجو ألا يتدخل أحد حتى لا تحدث الكارثة من جراء الفتن.
لماذا لا يتخلى حزب الله عن سلاحه ويترك هذه المهمة للجيش اللبنانى؟
الجيش اللبنانى صغير وإمكاناته بسيطة، ولا يستطيع أن يقاتل فى معركة كبيرة وحزب الله هو القوة الوحيدة القادرة على مواجهة إسرائيل ومنعها من الانتصار فى لبنان، وإذا ألقى حزب الله السلاح أصبحت لبنان بلا مقاومة. والجيش اللبنانى سيظل فاقد القوى حتى لو تم تسليمه سلاح حزب الله.
هل تتوقع حربا سورية -إسرائيلية؟
إسرائيل أذكى من الدخول فى حرب مع سوريا، وسوف تسوى مشاكلها معها دون حرب، وقد بدأت بالفعل فى تضييق الخناق حول سوريا، والضغط عليها من كل الاتجاهات ومحاربتها بسياسة "اترك التفاحة تنضج وتسقط وحدها".
وكيف تستطيع تضييق الخناق عليها – حسب تعبيرك-؟
إسرائيل تحاول تحجيم حزب الله الذى يعتبر ضمن الأوراق السورية، وما حدث فى لبنان ليست أعمالا عشوائية،كما أن هناك محاولات لإضعاف حركة حماس، ومحاولات لفك الرباط الإيرانى السورى وإلهاء إيران بعيداً عن سوريا لعزلها ثم إسقاطها.
وكيف تتقى سوريا شر هذا السقوط؟
لا أجد ما يمنع من اعتراف سوريا بإسرائيل، وينتهى كل شئ.
وهل هذا الاعتراف سيضمن عودة الجولان لسوريا؟
لا يمكن أن ترجع الجولان بالطريقة التى تريدها سوريا فالجولان منطقة استراتيجية حساسة جداً بالنسبة لإسرائيل أكثر منها لسوريا، فهى منطقة مرتفعة جداً وإذا تركتها إسرائيل كلها فسوف يكون فى استطاعة سوريا كشف وضرب أى موقع بإسرائيل.
هل زرت الجولان ؟
كنت أعمل هناك، وكانت خدمتى فى الهضبة لمراقبة كل التحركات الإسرائيلية قبل حرب 73 19.
وما السيناريو الذى تتوقعه للتسوية؟
أتوقع أن تعرض إسرائيل الانسحاب من معظم الجولان من ناحية القنطرة، مقابل الاحتفاظ بشريط على حدودها، أو أن يصبح الجزء الذى يتلامس معها منزوع السلاح وبه قوات دولية.
وهل يمثل الجيش السورى تهديداً لإسرائيل؟
سوريا دولة قوية وتستطيع تهديد إسرائيل عسكرياً وسياسياً، والجيش السورى ليس بالقوة الكبيرة، لكنه من النوع الذى يجب أن تضعه فى الاعتبار.
ولماذا لا تلجأ سوريا لخيار المقاومة على الرغم من مساندتها لحزب الله فى لبنان؟
سوريا لا تستطيع ذلك بسبب طبيعتها الجغرافية لأن الهضبة مكان مفتوح ومن السهل اكتشاف أى عناصر فيها وضربها بسهولة، وبالتالى لو لجأت لهذا الخيار فهى الخاسرة،كما أن سكانها مسلحون ويسكنون فى بيوت محصنة، وحتى شبابيك منازلهم تختلف عن أى شباك آخر فهى تشبه شبابيك القلعة.
كيف ترى الدور الإيرانى فى المنطقة؟
إيران الآن بديل العراق فى المنطقة، فالعراق قبل عام 90 كانت دولة قوية جداً اقتصادياً وثقافياً وعسكرياً، وكانت تمثل التهديد الأساسى فى المنطقة لإسرائيل، وما حدث للعراق بعد ذلك التاريخ يتكرر الآن مع إيران.
وما أسباب سقوط العراق بهذه السرعة فى 20 أبريل 2003؟
سقوط بغداد لم يكن سريعاً، فبغداد ظلت تضرب لمدة 20 يوما ليلا ونهارا بشكل متواصل، والجيش الأمريكى كان يحاول الالتفاف حول المدن ولم يستطع دخولها، وكان هناك حصار مفروض على العراق منذ 1991 وحتى سقوطها، فضلاً عن الضربات التى وجهت للبنية الأساسية.
إذن، سقوط بغداد كان طبيعياًً؟
نعم، كما كانت هناك أيضاً خيانة فى أوساط الجيش العراقى، ولو نظرت إلى شريط يومى 9،8 أبريل 2003 ودخول الدبابات فى اليوم الأول ثم خروجها فى اليوم التالى، ثم ضرب فندق فلسطين الذى يسكن فيه الصحفيون والإعلاميون، وإعلان الجيش الأمريكى أنه لا يضمن سلامة أى إعلامى غير موجود مع القوات الأمريكية، تكتشف وجود خيانة. فالقوة التى دخلت تسمى "استطلاع بقوة " لمعرفة نقاط القوة والضعف فى العدو وهذه القوة لم تتعرض لطلقة واحدة، وهذا معناه عدم وجود أحد فى هذا المكان، وفى 20 أبريل دخلت القوات الأمريكية لبغداد، وهى تعلم تماماً أنها لن تتعرض للقتال، وهذا ظهر فى التشكيل الذى دخلت به المدينة، فلم يكن تشكيلاً للقتال بل كان تشكيل تحرك عادى وبدت القوات الأمريكية مطمئنة ومتأكدة من عدم وجود تهديد لها، وكان سقوط بغداد مسرحية ولم يكن حربا.
وكيف ترى خريطة المقاومة فى العراق حالياً؟
المقاومة موجودة وسوف تستمر، وقد بدأت قوية ثم ضعفت لأن أمريكا نجحت بشكل غير معقول فى تحويل دفة المقاومة العراقية، التى كانت تحدث خسائر كبيرة فى صفوف القوات الأمريكية إلى بعضهم البعض، ما أدى إلى ضعفها.
ما مصلحة إيران من دعم حزب الله وتحالفها مع سوريا وما الذى حققته؟
أمريكا والغرب يروجون إلى أن إيران تختلق معارك جانبية لكسب الوقت، وتحقيق مكاسب نووية، لكنى أرى أن إيران كيان قوى اقتصاديا وعسكريا، وكانت مبعدة عن التأثير فى أحداث الشرق الأوسط بوجود العراق.
لكن إيران كانت مشغولة فى حربها مع العراق؟
الحرب العراقية الإيرانية كانت بإيعاز من أمريكا حتى تضعف الطرفين، واستطاعت التخلص من العراق وبعد الانتهاء من عدوها التقليدى بيد الأمريكان، أصبحت هى القوة الموجودة فى الشرق الأوسط وأصبحت تبحث عن دور لها فى المنطقة.
ولماذا سمحت أمريكا بتنامى القوة الإيرانية؟
الدور الإيرانى كان من الممكن تحجيمه أمريكا لو أرادت، لكنها فى الواقع تستغل الدور الإيرانى ضد الدول العربية، لتصور لهم إيران على أنها المارد القادم الذى سيقضى عليها حتى تهرول الدول العربية إلى أمريكا طالبة الحماية.
لكن وجود إيران كقوة نووية ليس فى صالح أمريكا؟
أمريكا بدأت تثير الملف النووى الإيرانى ليتناسى العرب أن اسرائيل لديها قنبلة نووية، وهى أخطر من إيران، وفجأة أصبحت إيران هى العدو الرئيسى وإسرائيل العدو الفرعى.
لكن المشروع النووى الإيرانى سيهدد المنطقة العربية بالفعل؟
إيران لن تستخدم سلاحها النووى ضد الدول العربية.
ولم لا ؟
لأن إيران لا تمتلك قنبلة نووية ولو امتلكتها فلن تستخدم ضد العرب فالقوة النووية ليست سهلة الاستخدام، وروسيا لم تستخدمها فى أفغانستان، فالسلاح النووى سلاح ردع فقط وأمريكا تعلم القدرات النووية الإيرانية، ولو أرادت منع إيران حتى مما وصلت إليه الآن من تقدم نووى لاستطاعت.
ولماذا تحدث مناوشات وتحرشات بين أمريكا وإيران فى مياه الخليج؟
للتهديد والتخويف.
هل تتوقع ضربة أمريكية عسكرية لإيران؟
إطلاقاً، فأمريكا تريد بقاء إيران قوية وذات تأثير حتى تستمر دول الخليج فى الارتماء فى أحضان أمريكا، وتظل محتاجة إلى دعمها وإلى سلاحها الذى يساوى المليارات وحتى تؤمن النفط. ولو انتهت إيران ستنفق الدول العربية ثرواتها على التنمية، وهو ما لا تريده أمريكا.
وهل هناك نية عربية حقيقية للإنفاق على التنمية؟
احسب عدد المليارات التى انفقها الخليج فى 10 سنوات على شراء الأسلحة، أو الدخول فى مشروع الدرع الصاروخى وستعثر على الإجابة.
وماذا تتوقع أن يكون عليه الوضع فى المنطقة فى الفترة القادمة؟
ما سيحدث فى المنطقة قالته كونداليزا رايس – الفوضى الخلاقة- لصالح الأمريكان، الذين يدخلون المنطقة ويخرجون منها بلا رادع، والولايات المتحدة ستظل هى القوة المسيطرة فى الفترة القادمة.
الجزء الثانى
اللواء بلال: سقوط بغداد كان مسرحية لا حرباً
الأحد، 15 يونيو 2008 08:48 م
تصوير: عصام الشامى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة