أحكمت حركة حماس قبضتها على قطاع غزة خلال عام من سيطرتها عليه، فى وقت يرى محللون أن تجربتها فى الحكم أدت إلى تراجع شعبيتها حتى لو لم يستطع الحصار المحكم، الذى فرضته إسرائيل، إضعافها. فقد أقر إسماعيل هنية رئيس الوزراء المقال فى تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أن "هذا العام كان مؤلماً على الصعيد الوطنى". وأكد هنية أنه "لا أحد كان يريد أى انقسامات على الساحة الفلسطينية وقطعاً أن الذى جرى فى قطاع غزة (سيطرة حماس) هو شىء اضطررنا أن نفعله". وحمل هنية ضمناً الولايات المتحدة المسئولية عن الأحداث التى سبقت سيطرة حركته على القطاع، قائلاً: "إن الإدارة الأمريكية كانت تشجع على الانقلاب على نتائج الانتخابات".
وتسيطر حماس على قطاع غزة منذ 15 يونية 2007 الماضى بعد اشتباكات دموية قتل وأصيب فيها مئات الفلسطينيين غالبيتهم من عناصر حركتى "فتح" و"حماس". ويعتبر حمدى شقورة نائب مدير المركز الفلسطينى لحقوق الإنسان أن هذا العام: "أشبه بنكبة جديدة وتدمير للقضية الفلسطينية" بسبب التراجع غير المسبوق فى أوضاع حقوق الإنسان فى الضفة الغربية وقطاع غزة. ويضيف: "وثقنا مئات حالات الاعتقالات غير القانونية واستخدام التعذيب من أجهزة أمن الطرفين وانتهاك للحق فى حرية التعبير للصحفيين".
وبحسب إحصائيات أوردها المركز الحقوقى، قتل 118 فلسطينياً فى غزة فى الفترة ما بين 17 يونية 2007 و1 يونية 2008 فى حوادث انتهاكات لحقوق الإنسان، فيما قتل فى الفترة نفسها 30 فلسطينياً فى الضفة الغربية. وتابع شقورة: "أما الاشتباكات المؤسفة التى سبقت 15 يونية 2007 فقتل فيها 163 فلسطينياً (...). إنها صفحات سوداء فى التاريخ". واعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسى جهاد حمد أن "الاحتلال الإسرائيلى هو المستفيد الوحيد من حالة الانقسام"، معتبراً أنه "لا حل للفلسطينيين من دون حوار جدى وتقوية الجبهة الداخلية فى مواجهة الأخطار والتحديات".
من ناحيته، يرى مخيمر أبو سعدة أستاذ العلوم السياسية فى جامعة الأزهر بغزة، أن شعبية حماس "تأثرت سلباً" خلال العام بسبب إجراءاتها من اعتقالات وكبت للحريات، لكنه فى المقابل يؤكد أن الإجراءات الدولية وحصار غزة "لم تفلح فى القضاء على الحركة التى بقيت متماسكة وقوية".
ويرد إسماعيل رضوان القيادى فى حماس: "شعبية حركته ازدادت وتضاعفت، رغم أنها اهتزت قليلاً بعد الحسم (السيطرة) مباشرة". ويتابع: "إذا اضطررنا لاستمرار إدارة قطاع غزة، سنواصل إلى حين يستجيب أشقاؤنا فى الضفة الغربية". ولا يستبعد رضوان عودة الأوضاع فى قطاع غزة لما كانت عليه قبل السيطرة عليه إذا توفرت النوايا الصادقة، وإذا بنى الحوار الوطنى على أسس صحيحة، لأنه لا مفر من وحدة شعبنا.
ودعا الرئيس محمود عباس الأسبوع الماضى إلى حوار وطنى شامل لتنفيذ المبادرة اليمنية لإنهاء الانقسام الحاصل فى الساحة الفلسطينية وهو ما رحبت به حماس. وتبادلت حركتا فتح وحماس بعض مبادرات حسن نوايا لـ "تنقية الأجواء" فى وسائل الإعلام الخاصة بالطرفين. لكن أبو سعدة يشكك فى إمكانية أن ينجح الحوار الفلسطينى بسهولة، معتبراً أن "حماس لن تكون مرنة" فى الحوار، لأنها تفخر بصمودها لعام بإدارة غزة، وتعتقد أن المشروع الأمريكى انهار فى المنطقة، وهذا سيعطيها دفعة للتصلب وأن يقر "فى نهاية المطاف أن لابد للحوار أن ينجح".
من جانبه، يعتقد شقورة أن الحل "يتجاوز التوصيفات القانونية (..) ولابد من التعايش معاً". ويقول رضوان إن مبادرة الرئيس عباس جاءت لأن "عدم تحقيقه شيئاً فى المفاوضات ووضع أمريكا لا يسهم فى خدمة القضية". لكنه شدد على أن حركته لن تمارس الابتزاز السياسى و"نحن حريصون على إنجاح الحوار". ويشرح حسن أبو حشيش رئيس لجنة الإعلام الحكومى فى حكومة حماس: "نجحنا فى إنهاء العربدة والانفلات الأمنى وفرض الأمن والاستقرار". ويضيف: "قمنا ببناء مؤسسة شرطية وجهاز قضائى بعد أن استنكف القضاة والنيابة عن العمل، لكننا بحاجة لمزيد من الكوادر".
وبعد أن أقر أن الأمن لم يتحقق 100%، أكد أن أجهزة أمن حكومته قد "حققت نجاحاً كبيراً فى القضاء على تعاطى وتجارة المخدرات". ووصف المسئول الحقوقى شقورة استيلاء حكومة حماس على مجمع القضاء وتعيين قضاة جدد بغزة بـ"الخطير".
وشدد أبو حشيش، وهو رئيس لجنة تعد تقريراً حول إنجازات حكومته، على أن الحصار المفروض على قطاع غزة "دفعنا إلى التحدى وأن ننجح فى إدارة قطاع غزة أفضل من منافسينا فى الضفة الغربية (...). وبدلاً من أن تثور الجماهير على حماس كما كان يسعى المجتمع الدولى وإسرائيل، نرى التفافاً شعبياً أكبر".
وتتولى حكومة هنية مسئولية دفع رواتب حوالى عشرين ألف عسكرى ومدنى فى قطاع غزة، غالبيتهم وظفوا خلال هذا العام. وأكد محمد المدهون رئيس ديوان الموظفين التابع لحكومة هنية أنه تم فى الأسبوع الماضى "اختبار حوالى 6400 موظف جديد للقطاع الحكومى المدنى". من جهته، يعتبر أبو سعدة أن هذا العام هو الأسوأ بسبب تراجع القضية الفلسطينية من قضية وطنية وسياسية إلى مستويات متدنية لتصبح "قضية شعب" كل همه الحصول على الطعام والوقود والكهرباء وتراجع الدعم العربى والتعاطف الدولى.
