أصدرت الجماعة الإسلامية بياناً بعنوان "تأملات فى المسألة القبطية"، يعقب على ما جرى من أحداث وصفت بالطائفية فى مواجهة الأقباط. البيان فى ذاته، يشكل تقدماً بالنسبة للجماعة الإسلامية التى باتت تعترف بأن الأقباط جزء من "الدولة والمجتمع"، وهى التى استهدفتهم لسنوات بالقتل والترويع، ولم يصدر عنها اعتذار عما ارتكبت فى حق الأقباط، والمجتمع برمته من تهديد للأمن واستهداف للأرواح والممتلكات. الملفت هو مصطلح "المسألة القبطية"، فقد تحول الأقباط إلى "مسألة" سياسية، يجرى النظر فيها، وإبداء التأملات بشأنها. وفى حدود علمى، أن ما يجرى يشكل منحى خطيراً فى النظر إلى القضايا.
اليوم لدينا ما يعرف بالجماعة الإسلامية، التى تصدر البيانات بشأن كل شىء من الأزمة اللبنانية إلى قانون الطفل مروراً بالشأن القبطى. ما وضع هذه الجماعة فى السياق السياسى المصرى؟ وما صفتها القانونية؟. وهل هى تتحرك فى المجال العام بصفتها تنظيماً إسلامياً، أم أنها مجرد أفراد يمتلكون موقعاً إلكترونياً يتبادلون من خلاله وجهات النظر؟
وهل إصدار البيانات الموقفية مجرد تسجيل موقف، أم أنه مقدمة لعمل مستقبلى. لا أعرف، والمطلوب أن نعرف، إذا كانت الجماعة الإسلامية تريد أن تكون طرفاً فى اللعبة السياسية، أم ستظل مجرد مراقب يقف خارج الملعب، وينظر من علياء إلى ما يجرى داخله، يقيم، وينصح، ويحذر لا أكثر، أم أنها سوف تتحرك بعد أن ترى أن الناس ليسوا أهل نصيحة.
فى البيان المذكور إشارة إلى "رد الفعل القبطى الذى يعكس استنفاراً دائماً للشعور القبطى ضد الدولة برموزها والتى تمثل فى حسهم وضميرهم، تمثيلاً للإسلام والمسلمين"، ويصف الأحداث التى تجرى للأقباط بأنها "عارضة"، لا تحدث "بدافع طائفى دينى"، ولكن تحركها دوافع "جنائية". وحدد البيان ثلاث جهات أساسية مسئولة عما سماه "تأجيج النزعة الطائفية" وهى:
الأولى: بعض رجال الكنيسة القبطية بتأليبهم الدائم للأقباط ضد الدولة وتغذية الشعور بالاضطهاد لديهم. ويضيف البيان "الحقيقة أن الكثير من رجال الكنيسة القبطية باتوا ومعهم كنائسهم منغمسين حتى النخاع فى العمل السياسى". وأشار إلى أن سعى الكنيسة إلى "لعب دور مواز ومكافئ لدور الدولة " يعود إلى "عمل البابا الحالى على تغذيته وتكريسه منذ صعوده إلى كرسى البابوية قبل أكثر من ثلاثين عاماً وإلى الآن"، واتهم البيان الكنيسة بأنها تساهم فى تعميق الهوة بين المواطن القبطى من جهة والدولة والمجتمع من جهة أخرى، وتلعب لعبة خطيرة اعتماداً على الظروف الدولية والإقليمية .. وتحاول كسب أرض لها اغتناماً للفرص. بل إن الكنيسة المصرية طرحت نفسها كبديل للنظام الحاكم لدى الأقباط فى أوقات كثيرة منذ السبعينيات".
الجهة الثانية: - حسب البيان- هم أقباط المهجر "الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أداة طيعة فى أيدى الآخرين للنيل من مصر. ومن فرط سذاجتهم تخيلوا أن أمريكا هى الحضن الدافئ الذى يلجأون إليه عند اشتداد الخطوب، وما دروا أن أمريكا لا يحركها إلا مصلحتها وفقط! فهى مع الشيعة فى العراق، ومع السنة فى لبنان!! بل لا تتورع عن التحالف مع الشيطان فى سبيل تحقيق مصلحتها. ولا يتوانى أقباط المهجر عن نشر الأكاذيب وترويج الأباطيل عن إسلام الأقباط بالإكراه، وخطف البنات المسيحيات من الشوارع وإجبارهن على اعتناق الإسلام".
الجهة الثالثة: ـــ من وجهة نظر الجماعة الإسلامية – هم غلاة العلمانيين وخاصة بقايا التيار اليسارى الآفل الذين يجدون متنفسهم وسط الحرائق والفتن، فلا يألون جهداً فى إشعالها تارة بين الإسلاميين والدولة، وتارة بين الدولة والأقباط بعد أن أعطوا لأنفسهم الحق فى التحدث باسم الأقباط ".
وينتقل البيان من التوصيف إلى التحذير قائلاً مخاطباً الأقباط "عليهم أن يعوا الحقائق الآتية جيداً حتى لا يتعبوا أنفسهم فى اللهث وراء السراب:
أولاً : مصر دولة لا تقبل القسمة على اثنين.. فمصر كانت ـ وستظل بإذن الله ـ دولة واحدة وحكومة واحدة.
ثانياً: مصر هى القلب النابض للإسلام والعروبة، ولم يستطع أحد أن يغير من هذه الحقيقة، لم تفعلها الحملة الفرنسية، ولم يغيرها الاحتلال البريطانى على طول مكثه ولبثه فى مصر، فلا يأتيكم اليوم أحد ويغريكم بمحاولة العبث بهذه الحقيقة والعمل من أجل تغيير وجه مصر الحضارى الإسلامى العربى.
ثالثاً: مصر هى الحضن الدافئ لكم مهما أبدى لكم البعض وجهاً مبتسماً وصدراً مفتوحاً، ولم ينازعكم أحد حقكم فى الحياة الآمنة فلا تتخذوا من بعض الحوادث العرضية تكأة للنيل من مصر وشعبها، واستعداء الآخرين عليها.
البيان الذى حرصت أن أنقل مقاطعاً منه، دون تدخل فى نصه ومتنه، يمثل نقطة تحول خطيرة لأنه يحمل ثلاثة أطراف مسئولية الفعل الطائفى هم: الكنيسة، وأقباط المهجر، ومن سماهم العلمانيين، وبقايا اليسار الآفل. ويعود البيان إلى تفسيرات السبعينيات التى كانت سبباً للفتنة الطائفية، ويجعل منها نموذجاً للعودة إليها. وفى رأى البيان أن الحكومة والإسلام السياسى ليس لهما علاقة بالشأن الطائفى، لم يفعلا شيئاً لتأجيجه، ولم يكن لهما أى دخل فيه.
الجماعة الإسلامية التى تريد اليوم أن تخطب ود الدولة، هذا شأنها، ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب الأقباط والقوى السياسية الأخرى، لا يصح أن تكون طرفاً لإرباك الواقع السياسى المرتبك بالفعل. الذين يتحدثون اليوم عن مصر الموحدة، لم يحدث أن هدد قبطى أو يسارى أو ليبرالى وحدة مصر، ولكن الذى هددها هم الذين حملوا السلاح فى وجه الدولة، وأزهقوا الأرواح، وحطموا الممتلكات. والذين يتحدثون اليوم عن الحياة الآمنة، هم أول من أساء إلى أمن وأمان المجتمع ومواطنيه. لا أتصور أننا اليوم فى موضع من يتلقى منهم دروساً فى السلوك السياسى أو الوطنى، ولكن عليهم- إذا أرادوا- الاندماج فى المجتمع، أن يدركوا تعدديته، ويظهروا احتراماً لهذه التعددية، وسعياً حثيثاً للحفاظ عليها.
أما الشأن القبطى، فهو ملتبس، لا يتحمل طرف مسئوليته دون الطرف الآخر، الكل مسئول، الأقباط والإسلام السياسى والحكومة، لا أستثنى أحداً، بما فى ذلك الجماعة الإسلامية، أهل النصيحة والإرشاد!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة