الدكتور ميلاد حنا مفكر قبطى نافذ، ذو فلسفة وطنية قائمة على قوة انتمائه لدينه، واحترامه جميع الأديان. انتقد الرجل فى حواره مع "اليوم السابع"، سلبية المسيحيين فى المشاركة السياسية، وطمأن نفسه بأنه لن يترك مصر أبداً، لعلمه أن الإخوان لن يأتوا لحكم مصر مدى الحياة.
يطالب الدكتور ميلاد حنا بضرورة تحويل وزارة الأوقاف المصرية إلى وزارة الأديان، مستنداً إلى أن وزير الأوقاف المصرى رجل متحضر، (ولن يرفض هذا الاقتراح)، كما يرى أن المسيحيين أذكى من تورطهم فى فخ تأسيس حزب مسيحى، مثلما يحاول "الإخوان" بلورة تنظيمهم فى حزب سياسى.
كيف ترى علاقة الأقباط بالرئيس مبارك؟
ينبغى أن يدرك الجميع أن مبارك فى تقديرى لا يحمل أية كراهية أو بغض للأقباط، لكنه يحكم فى ظل توازنات، لأنه يدرك أن الأغلبية المسلمة ترفض تماماً أن يحكمها غير مسلم، ويظهر ذلك من غالبية قيادات الدولة، إلا وزيراً أو اثنين ولدينا، أكثر من 15 جامعة لايوجد مسيحى واحد رئيساً لإحداها، كما هو حال الكثير من المواقع الأخرى.
تردد فى فترات سابقة أنه يمكن تعيين مسيحى فى منصب نائب رئيس الجمهورية، خاصة إذا كان هناك أكثر من نائب للرئيس، ما رأيك؟
فى إطار المناخ الثقافى الحالى، أشك كثيراً فى أن يقبل الرئيس مبارك على هذه الخطوة، بل لن يعين حتى نائباً لرئيس الوزراء، وإن كان هذا الأمر يمكن أن يتغير مستقبلاً، لكن على الأقل ليس فى الوقت الحالى، لكن عندما تزيد الجرعة الديمقراطية وتقل النعرات الطائفية، ويصبح الاختيار بالكفاءة وليس لاعتبارات دينية، يمكن أن يحدث، لكن ليس قبل عشر سنوات من الآن.
بدأت كتاباتك فى جريدة "وطنى" تحت عنوان "غداً تشرق الشمس" وفجأة توقفت عن الكتابة، وتم نقل مقالك إلى جريدة "الأهرام" بعنوان "غداً أكثر إشراقاً"، الأمر الذى فسره البعض بوجود خلاف بينك وبين أنطون سيدهم صاحب الجريدة الأول، كما أن هناك من فسر الأمر بوقوعك تحت ضغوط سياسية لنقل المقال إلى الأهرام، فما حقيقة الأمر؟
لم يحدث خلاف بينى وبين أنطون سيدهم، ولم تنقطع علاقتى بـ "وطنى"، بل ساهمت فى تطويرها وتحويلها من شركة خاصة إلى شركة مساهمة، وكان أنطون سيدهم يضع نصب عينيه أن يتولى ابنه يوسف سيدهم الأمر من بعده، وهو شاب تدل كتاباته على نبوغه، حيث يمارسها باقتدار أسبوعياً.
أما بالنسبة لقصة "الأهرام"، فقد تم التعاقد معى ككاتب مثل آخرين، ووجدت هذا الأمر أكثر انتشاراً لى من "وطنى"، خاصة أننى أحبذ البعد عن الطائفية، وهى كانت تهمة تعانى منها جريدة الجريدة فى بدايتها، على الرغم من توجهها لكل المصريين، وليس لطائفة الأقباط الأرثوذكس فقط.
ماذا عن اجتماع الأربعاء فى "وطنى"، هل كان بداية لتكوين تنظيم يتحدث باسم الأقباط؟
ليس تنظيم أو خلافه، بل طالب بعض ممن ينتمون لجماعة "الإخوان المسلمون" عقد اجتماع مع مجموعة من الأقباط - كنت واحداً منهم - وكان كبيرنا الأستاذ أمين فخرى عبد النور، واجتمعت مجموعة الأقباط مرة للاتفاق على خطوط اللقاءات مع الإخوان، وفيما نحن خارجون من اجتماعنا ذات يوم، قلت لمجموعتنا لابد من تكرار اللقاء حتى نضع سقفا ونقاطا محددة للحوارمع الإخوان، ولكى يكون هناك تنسيقاً بيننا فى هذا الأمر، ومن ثم كان اجتماع الأربعاء فى "وطنى"، وتم تسجيل هذه اللقاءات لأهميتها التاريخية، وللأسف لم يتم الحوار المفروض مع الإخوان لاختلاف بعض المعطيات.
لكن كيف ترى الوضع الآن بين الأقباط والإخوان، وهل مازلت عند كلمتك أنه فى حالة وصول الإخوان للحكم ستترك مصر؟
مازلت عند رأيى لأننى ضد أى حكم دينى سواء الأخوان أو غيرهم، وعلى المسيحيين أن ينسقوا ويتفاعلوا مع المسلمين المعتدلين، وهم الأغلبية فى مصر لمواجهة أية تيارات دينية تسعى للحكم، مع الوضع فى الاعتبار أن الإخوان قوة سياسية مؤثرة وفاعلة.
لكن لماذا توقف حوار مجموعة "وطنى" مع الإخوان؟
الإخوان قالوا إنهم مضطهدون من الحكومة، ونحن كأقباط نشعر بالتجاهل والاضطهاد معاً، وكان السؤال من الإخوان: لماذا لا نتحد معاً من أجل مواجهة هذا الأمر، وكان ردنا باختصار شديد: أنه من يضمن أنكم عندما تصلون للحكم سوف تكونوا أكثر ديمقراطية من الحكومة، فهناك أمور كثيرة ومبادئ لديكم لا تتفق مع منهجنا فى الحياة، ومن ثم توقف الحوار إلى غير رجعة.
قلت إن الإخوان قوة سياسية منظمة كيف تراهم فى الحكم؟
تربطنى بالكثير منهم مودة وهم بالفعل قوة مؤثرة، وأنا لست واحداً منهم، ولن أنتمى إليهم أبداً، لكن إذا وصلوا للحكم لن يتركونه بالديمقراطية، وهذه ليست تهمة لهم فقط، بل إن النظام العسكرى الحالى فى مصر مثلهم، وأشير إلى أن شعب مصر له ثقافة مختلفة فى مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بتطبيق الحدود، فلم نسمع عن قطع رقبة مواطن فى ميدان عام أو قطع يد سارق ولا رجم زان، وفى النهاية أقول: إن الإخوان لن يصلوا أبداً لحكم مصر.
كيف تقيم تمديد قانون الطوارئ لمدة سنتين أخريين؟
قانون الطوارئ مرفوض، ويتجاوز القواعد العامة، ويزيد مخاوف الناس، وغير صحيح ما يردده البعض بأن له علاقة بقضية التوريث، ولكن سيخلق فى المواطن المصرى ما يجعله أسيراً لهذا القانون.
لكن كيف ترى وضع الأقباط على الخريطة السياسية فى الوقت الحالى؟
الأقباط غير قادرين على أن يكونوا فى الصفوف الأول فى الحياة السياسية المصرية، وذلك بسبب سلبيتهم فى المشاركة فى الحياة العامة، والحكومة لا تعطى الأمر أية أهمية وهى لا تحترمهم ولا تعمل على فرز شخصيات قبطية مؤثرة، لأن الموضوع (مش فى دماغها)، فالأقباط مراقبون ومراقبين، ويتأملون الساحة دون أن تحركهم مشاعرهم للمشاركة السياسية، لأنهم يدركون أن فرص نجاحهم ضعيفة، ويرجع ذلك لتجاهل الحزب الوطنى لهم.
كتابكم "قبول الآخر" هل حقق ما كنت ترجوه منه؟
فى إطار المناخ الثقافى والسياسى السائد فى مصر، لم يحقق الكتاب الهدف المرجو منه، خاصة تجاه المجموعة السلبية للمشاركة فى الحياة العامة، فالحزب الوطنى مسيطر على كل شىء، والحكومة سعيدة بهذا الوضع.
الإخوان يعملون بقوة نحو تأسيس حزب سياسى، وعرضوا بعض برامجهم، هل
يفكر المسيحيون فى إنشاء حزب سياسى؟
المسيحيون أذكى من أن يفكروا فى تأسيس حزب سياسى لأنهم يعرفون أن من يقف وراء ذلك سيتم ذبحه، خاصة فى الظروف الحالية، وأنا بطبيعتى أميل للطبقات المقهورة والمستضعفة فى أى مكان فى العالم، ومازال هناك العديد من الوظائف العامة يتم منع المسيحيين من شغلها، وهذا ليس من الحكمة، و ليس معناه أن المسيحى سيغير الكون، لكن لأن هذا الأمر يعنى أن المسيحى ليس موضع ثقة، والكلام كثير فى هذا الأمر دون جدوى، فالنظام لا يسمع ولا يرى، ولا يتغير، والكلام عن الوحدة الوطنية كلام إنشائى لا معنى له ولا أمل فى وحدة وطنية مصرية إلا بمزيد من الديمقراطية وتداول السلطة، فلا بد من إزالة الاحتقانات ومداواة الجروح.
لكن مصر إلى أين؟
مصر تمر بمرحلة دقيقة وفارقة وحساسة، ومالم تتم معالجة الأمور الحالية بفطنة سيقع مالا يحمد عقباه، ولابد وأن تجرى تغييرات هادئة ومدروسة لأن التغييرات الكبرى قد تأتى بعواقب لايعلمها إلا الله ولابد وأن يستجيب لإنشاء المجلس القومى للمواطنة.
ماذا لو طلب منك دفع الجزية كما أفتى من قبل أحد الفقهاء المسلمين؟
هذا كلام فيه عبث، خاصة فى ظل المتغيرات العالمية الجديدة التى تعمل على إعادة تشكيل وجدان الشعوب ثقافياً، وتحارب القمع والظلم بكل صوره، ويأتى من ينادى بأن يدفع الأقباط الجزية فى وقت أصبحت حقوق الإنسان مطلباً عالمياً لم يقتصر على أية أقلية بعينها.
لكن كيف يتم التعامل بين المصريين بدون حساسية؟
أرى أن مصر تملك وزير أوقاف مستنيراً، وأعتقد أنه سوف يرحب لو أن وزارة الأوقاف تحولت إلى وزارة أديان، ويكون هناك وكيل وزارة لشئون المسلمين يتولى أمرالأوقاف الإسلامية، وأن يكون هناك وكيل وزارة لشئون غير المسلمين ليتعامل مع كل القضايا التى تتعلق بالأديان الأخرى، والمسيحيين أيضاً على جميع مذاهبهم وطوائفهم.
الدكتور ميلاد حنا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة