"المقتلة" تؤرخ لتسجيل أراضى الصحراء بالدم

الجمعة، 13 يونيو 2008 04:53 م
"المقتلة" تؤرخ لتسجيل أراضى الصحراء بالدم
كتب حسن مشالى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصبح توصيف "وضع اليد" لحيازة الأرض، موحياً بعدم الشرعية ومقترناً بالخروج على القانون وموازياً للنصب والاحتيال، رغم قانونيته والأخذ به فى كل التعاملات على أراضى المناطق الصحراوية إلى وقت قريب.

"المقتلة" اسم قرية تابعة لمدينة سيدى برانى تبعد نحو 120 كم غرب مطروح، ويعود سبب التسمية لسقوط عدد كبير من القتلى من أبناء القبائل البدوية أوائل القرن الماضى فى صراع على حيازة أراض شاسعة فى تلك المنطقة، لامتيازها بالخصوبة ووفرة مياه الأمطار والآبار، حيث استمر الصراع سنوات طويلة حتى وضعت القوات المسلحة حداً له ببسط نفوذها على تلك الأراضى التى تقدر بعشرات الكيلو مترات، وزرعتها.

لم تكن الحادثة المذكورة تمثل السابقة الوحيدة للصراع على الأراضى بين القبائل البدوية، وإنما جاءت امتداداً لأقدم من ذلك بكثير، ويعود ذلك لطبيعة الحياة فى الصحراء والترحال الدائم للبحث عن الماء و المراعى، وليس كما هو حادث الآن بغرض التربح والثراء.

وقبل قيام الدولة الحديثة ومد المرافق والمؤسسات إلى مطروح، لم يكن هناك توثيق رسمى للملكية أو الحيازة أو التصرفات، كان للبدو ككل المجتمعات الصحراوية مؤسساتها وحكامها ومحاكمها العرفية التى تنظم شئونها وتحكم تصرفاتها وتحد من صراعاتها.

وفى هذا الإطار، تم وضع معاهدات بين قبائل بدو الصحراء الغربية لتقسيم الأراضى بينهم من العامرية شرقاً إلى الحدود الليبية غرباً بطول 500 كم، ومن البحر شمالاً إلى أعماق الصحراء جنوباً لتكون مضارب ووطناً للقبائل ومزارعاً لهم ومراع لأغنامهم وإبلهم، ولم يترك موضع قدم من أراضى الساحل الشمالى أو داخل عمق الصحراء البالغة آلاف الكيلومترات إلا وتقاسمته القبائل.

وكانت الآبار التى يحفروها البدو لتجميع مياه الأمطار هى دليل الملكية ومعالم الحدود، وتم التقسيم حسب تعداد وحجم كل قبيلة من القبائل الخمسة الكبرى التى تتفرع إلى حوالى 50 قبيلة فى كل المناطق. وساعد هذا التقسيم على الحد من الخلاف، وظلت هناك مرجعية للفصل فى الخصومات على الأراضى، ولم يخرج عليها أحد إلا قليل مثلما حدث فى "المقتلة".

وجاء تقسيم الأراضى حاسماً للكثير من الخلافات بهدف حقن الدماء التى كانت تسيل ثمناً لوضع اليد على الأراضى، أو حيازتها، كأن توثيق الأراضى لم يكن يتم إلا بإراقة الدماء على رمالها، فكانت أراضى مدينة السلوم من نصيب قبائل (القطعان - المعابده - الحبون)، فيما راحت أراضى مدينة سيدى برانى لقبائل على الأبيض (الشريصات- عيت الحداد- الحوته) وقبائل القطعان (عيت بوجويفه – السمين – الغليظة – بلالات), وظلت أراضى المقتلة لقبيلة الموالك.


وحكمت محكمة التقسيم العرفية القبلية بتخصيص أراضى مدينة النجيلة لقبائل (عيت عميرة – السراحنة – الشتور – عيت الحفيان – الجرارة – الموامنة – الدبابسة – القريضات)، وأراضى مدينة مطروح لقبائل ( العشيبات – الصناقرة – الأفراد – عيت العبيدى – القناشات ــ العراوة – العجارمة – العوامة – السمالوس – الزعيرات - الكمالات)، فيما خصصت أراضى مدينة الضبعة لقبيلة الجميعات (الشتور - القواسم – الموسه) وأقلية من(السمالوس - والصريحات).

واقتضى التقسيم أن تكون أراضى مدينة العلمين لقبيلة أولاد خروف (عيت العقارى- عيت عفش) وأقليات (موالك – أفراد – قناشات)، وأراضى مدينة الحمام وجزء من صحراء وادى النطرون لقبائل ( الجميعات – سمالوس – أولاد خروف – المحافيظ – الموالك). أما مدينة سيوه فتوزعت أرضها على 13 قبيلة واحدة منهم قبيلة الشهيبات البدوية، وهى فرع من السننه والـ 12قبيلة الباقية ذات أصول أمازيغية.

ومع موجة الزحف السياحى تجاه أراضى الصحراء وساحل مطروح، أصبحت الأراضى مصدراً للثراء، فبدأ نوع جديد من الصراعات الدموية تزحف بقوة على محافظة مطروح التى كانت آمنة، وتنعم بالهدوء النسبى، بحكم اتفاقيات مسبقة لتقسيم الأراضى على القبائل عرفياً، بنظام وضع اليد. لكن النظام الجديد الذى فرض سياسته على المنطقة مزق كل الأعراف الموضوعة مسبقاً، وبدأت اتفاقات جديدة بين المستثمرين الكبار وكبار رجال البدو. كما دخلت أطراف وكيانات جديدة تعمل فى تقسيم الأراضى وبيعها، من شركات وجمعيات وهمية وأشخاص يستغلون قوتهم ونفوذهم حتى تحولت أراضى الساحل الشمالى والصحراء الغربية إلى ساحة صراعات سقط عليها العشرات من القتلى والجرحى.

وكانت الدولة ترعى الاتفاقيات العرفية لتوزيع أراضى وضع اليد بين قبائل البدو واستمر الوضع إلى ما بعد الثورة.

وعند طرح مشروع توطين البدو فى عهد عبد الناصر، صدر القانون 100 لسنة 1964 على أن كل واضع يد على أرض زراعية أو فضاء تخطر به جهة الإدارة لتقنين وضعه مع الدولة وقد أحدث هذا القانون استقراراً فعلياً.

وفى أوائل الثمانينيات صدر القانون 143 لسنة 1982 والقرارالجمهورى بقانون 632 لسنة1982 لتحجيم وضع اليد وتحديده فى أراضى المبانى والزراعات ولم يعترف بالمراعى والآبار وذلك فى نفس وقت دخول وعمل مشروعات المعونة الدولية (البنك الدولى – المشروع الألمانى – وغيرهما) لتوطين البدو مما ساعد على تحجيم وضع اليد وأصبحت الدولة طرفاً فى البيع والشراء والتأجير للأراضى الفضاء.

وفى التسعينيات ومع التنامى الكبير للمشروعات السياحية والاستثمارية وارتفاع أسعار الأراضى الذى أوجد خللاً قبائلياً وبدأت النزاعات القانونية والاجتماعية على حدود الأراضى، وخاصة الساحلية والواقعة على الطريق الدولى.

كما ظهرت شركات تقسيم الأراضى والشركات الوهمية ومافيا الأراضى والشراء من واضع اليد وإعادة بيعها استناداً على القوانين القديمة، ليصطدم المشترى بالدولة التى تمنعه من التعامل عليها إلا بعد شرائها منها. ومع الاتجاه العام لتشجيع وتحفيز الاستثمار على حساب واضعى اليد الأصليين، تمنح الحكومة المستثمرين ورجال الأعمال الأراضى الفضاء بمساحات كبيرة بأسعار رمزية (من 5 إلى 40 جنيهاً) للمتر مقابل وضع شرائح سعرية مبالغ فيها لمساكن المواطنين وواضعى اليد.

وبصدور القرار 177لسنة 2004 لمحافظ مطروح بقصر التعامل على الأراضى على المستثمرين فقط ومنع تقنين الأراضى للمواطنين مهما كانت مساحتها صغيرة أو كبيرة إلا إذا كان منزلاً مقاماً بالفعل، مما زاد من عمليات البناء العشوائى رغم تزايد إزالات المبانى، وتسبب ذلك فى الخلل فى التعامل على الأرض والتشكيك فى صفة واضعى اليد الحائزين لتلك الأراضى ووضعهم فى دائرة الاتهام بالنصب والتعدى على أملاك الدوله رغم شرائها، بالقوانين السابقة أو تكون قد آلت إليهم بالميراث عن أبائهم وأجدادهم، مع اعتقادهم فى أنها ستعامل مثل معظم مساكن مطروح المقامة منذ عشرات السنين ومازالت بنظام وضع اليد.

وتكمن خطورة القرار 177 فى أنه يمنع ضمنياً منعاً باتاً امتلاك أى مواطن أرضاًَ أو إقامة منزل جنوب الطريق الدولى من الإسكندرية وحتى هضبة السلوم، وقصر التعامل على طول هذه المساحة على المشروعات السياحية فقط.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة