خالد الشريف

الإصلاح السياسى وقانون الطوارئ

الخميس، 12 يونيو 2008 12:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الكل فى بلادنا يعلم أن أول خطوة فى طريق الإصلاح تكون بإطلاق الحريات، وإلغاء كل القوانين السيئة السمعة التى تصادر الحريات، وتكمم الأفواه. ونعتقد أن قانون الطوارئ فى مصر حاز على المرتبة الأولى بين القوانين سيئة السمعة، ومع ذلك فوجئنا بتمديد حالة الطوارئ سنتين أخريين؛ ليكتمل عمر الطوارئ فى بلادنا ويصير ثلاثين عاما كاملة، وكأن الحكومة فى مصر أدمنت قانون الطوارئ، كما يدمن البعض تعاطى المخدرات والمسكرات، فما عادت تستطيع حكم البلاد والعباد دونه.

وهذا هو الذى دفع أحد الوزراء إلى القول "إن مصر لا تستطيع أن تعيش شهرًا واحدًا بغير قانون الطوارئ, وإن المصريين يجب أن (يحمدوا الله شاكرين له) على أن قانون الطوارئ موجود، فمن غير الطوارئ الإرهاب سيضرب مصر، وسيشيع فيها الخراب والفوضى". انتهى كلام سعادة الوزير.

وهو كلام مغلوط لا نقف عنده كثيرا؛ لأنه ضد الواقع والعقل والعرف؛ فمصر عاشت وازدهرت وحققت انتصاراتٍ عظيمة فى السادس من أكتوبر بدون قانون طوارئ؛ لأن الناس تعيش وتحيا فى ظل الحريات، وتمرض وتموت فى ظل الكبت والقوانين المقيدة للحريات. بل إن التنمية لا تزدهر ولا ينتعش الاقتصاد إلا فى ظل الحريات، لأن العلاقة بين الاقتصاد والحرية كالعلاقة بين العين والضوء؛ لن تبصر العين إلا بضوء، ولا يكون العكس، وهو الأمر الذى أكّده العلامة العبقرى ابن خلدون فى مقدمته الشهيرة، عندما أبرز علاقة الحكم الاستبدادى بخراب العمران، ففى ظل الاستبداد يقتل الإبداع ويموت الفكر والثقافة والشعر، ويعم الخراب والدمار البلاد. .

إن الحريات تعنى الحياة والتقدم وازدهار الاقتصاد، ورحمة الله على عبد الرحمن الكواكبى؛ إذ يقول فى كتابه (أم القرى) : ( ولا شك أن الحرية أَعَزُّ شىء على الإنسان بعد حياته, وأنه بفقدانها تفقد الآمال, وتَبْطُل الأعمال, وتموت النفوس, وتتعطل الشرائع), وتختل القوانين، فإذا كان قانون الطوارئ عقبة رئيسة فى طريق الإصلاح السياسي؛ حيث إنه المصدر الرئيسى لكافة انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر، فلماذا الإصرار عليه، وتجديد العمل به عاما بعد آخر؟

وإذا كان إلغاء هذا القانون السيئ السمعة مطلبا جماهيريا، وإجماعا من كافة القوى السياسية، فلماذا هذا الإصرار على العيش فى كنف الطوارئ، خاصة فى ظل حالة الجمود السياسى التى أصابت المجتمع المصرى، والتى تتواكب مع تصاعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى أَلَمَّت بكافة طوائف المجتمع، فأصبح المخرج الوحيد للأزمة الحالية هو الإصلاح السياسى الشامل، من خلال تأسيس آليات ديمقراطية للعمل السياسى، واحترام لحقوق الإنسان

إن فى خزانة النفس قولة المفكر الإسلامى الشيخ عبد الحميد بن باديس الرائعة، التى يقول فيها: (حَقُّ كُلِّ إنسانٍ فى الحرية كَحَقِّهِ فى الحياة، ومقدارُ ما عنده من حياةٍ هو مقدار ما عنده من حرية، والْمُعْتَدَى عليه فى شىء من حريته كالْمُعْتَدَى عليه فى شىء من حياته، وما أرسل الله من رُسُلٍ وما شرع لهم من الشرائع؛ إلا لِيَحْيَوْا أحرارا، وليعرفوا كيف يأخذون بأسباب الحياة والحرية، وحتى يستثمروا تلك الحياةَ وتلك الحرية إلى أقصى حدود الاستثمار النافع، وما انتشر الإسلام فى الأمم إلا لِمَا شاهدتْ فيه من تعظيمٍ للحياة والحرية، ومحافظةٍ عليهما، وتسويةٍ بين الناس فيهما، مما لم تَعْرِفْهُ تلك الأمم من قِبَلِ ملوكها، ولا من أحبارها ورهبـانها.).

إننا نؤكد أنه لا يوجد مُبَرِّرٌ واحد على استمرار فرض حالة الطوارئ فى الوقت الراهن؛ حيث اتفق فقهاء القانون الدولى على أن الحالات التى يجوز فيها فرض حالة الطوارئ ثلاث حالات، وهى: حالة الحرب، أو حالة التهديد بالحرب، أو الكوارث الطبيعية، وهى عناصر غير موجود فى مصر والحمد لله، فإذا كانت حكومة الحزب الوطنى صادقةً فى عزمها على القيام بالإصلاح السياسى، فالإصلاح وحالة الطوارئ نقيضان لا يجتمعان أبداً.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة