اختلاف القيم.. والعلاقات المصرية ـ الأمريكية

الأربعاء، 11 يونيو 2008 08:46 م
اختلاف القيم.. والعلاقات المصرية ـ الأمريكية
إعداد ريم عبد الحميد عن نيويورك تايمز

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يخرج عماد رفعت (28 عاما) من ورشته، ويشير بيديه اللتين تغطيهما الشحوم إلى أسفل الطريق ـ قبل حتى أن يراه ـ ويقول بصوت قوى يعبر عن ثقته فيما يقوله "تعال هنا.. اذهب إلى هذا الضوء، واسلك أول يمين، هذا هو شارع صلاح الدين".
هل أنت متأكد؟.. متأكد تماماً.

لكن عماد فى الواقع كان مخطئاً تماماً، وعندما سئل لماذا أعطى الاتجاهات الخاطئة بكل هذه القناعة، أجاب وهو يشعر بإحراج كبير "لقد أردت المساعدة، وكنت سأخبرك أن تسأل بائع الزهور على الناصية، فهو يعرف كل الشوارع".

إن الإبحار فى مصر يمكن أن يكون تحدياً للفهم، فالأمر لا يتعلق فقط باللغة، بل بالثقافة والقيم والمعايير. فكومة القمامة والنفايات قد تبدو عادية بالنسبة للشخص الأجنبى، لكنها بالنسبة للفقراء لها أهمية كبرى، حيث يتم إعادة تصنيع كل شيء واستخدامه مرة أخرى. وفى مصر الأمر أصبح روتيناً أن يقول لك أحدهم الاتجاهات الخاطئة، وهو لا يرتبط بسوء نوايا الناس، ولكن ينطلق من شعورهم بالمسئولية تجاه أى طلب للمساعدة، حتى إذا وجهوك بشكل خاطئ. ويتفق علماء الاجتماع والسياسة على أن هناك درساً فى هذا الأمر قيمته أكبر من مجرد تحذير السائحين بإحضار خرائط معهم، ليصل إلى العلاقات المصرية ـ الأمريكية.

فالعلاقات بين البلدين متوترة، ويشعر المصريون جميعاً بأنهم لا يحظون بالاحترام من جانب واشنطن. ولا يتعلق هذا الأمر فقط بغزو العراق أو الشعور الدائم بالانحياز لإسرائيل، أو انتقادات واشنطن لمصر بسبب نقص الديمقراطية، ولكنه يرتبط بما يراه الناس من فشل واضح فى فهم طريقة تفكيرهم وقيمهم، حتى عندما تتعلق هذه القيم بتوجيه شخص ما بشكل خاطئ.

فالمجتمع المصرى يعلى من قيم الضيافة وتكريم الشخص أكثر من قيم الدقة والمباشرة. ويقول حمدى طه أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر ورئيس جمعية كرم الإسلام "هنا، حتى إذا أرشدك شخصاً ما إلى الطريق الخاطئ، فإنه لا يزال يشعر أنه فعل ما كان ينبغى عليه فعله.. فهو لا يعتقد أنه ضللك، بل قدم لك مساعدة، صحيحة أم خاطئة هذا أمر نسبى". ويضيف "أن هذه الأشياء الصغيرة قد تكون الأصعب فى فهمها".

ولا يقتصر الأمر على المواطن العادى أو السياسى فى موقع المسئولية، بل يمتد إلى الناس الذين تتوقع أنهم يؤيدون أمريكا، مثل غادة شاهبندر، وهى ناشطة تدعو إلى الديمقراطية والانفتاح. فقد أزعجتها تعليقات الرئيس جورج بوش الشهر الماضى فى المنتدى الاقتصادى بشرم الشيخ، فالرئيس بوش صعد إلى المنصة بقليل من المصداقية بين العرب، لكن انتقاداته غير المباشرة للسياسات المصرية أدت إلى حالة من الاحتجاج على الصعيد الوطنى، ومصدر الانزعاج أن بوش وقف فى مصر وانتقدها. وتقول شاهبندر "نحن شعب عاطفى، وتوجيه انتقادات إلى النظام الذى يمثلنا سواء كنا متفقين معه أم لا، يثير مشاعر سلبية.. إنه اتجاه معقد ينبغى أن يسلكه المسئولون عندما يحاولون الموازنة بين قيمهم وقيم البلاد الأخرى".

فقد كان السفير الأمريكى السابق فرانسيس ريتشارد دونى يحظى بمكانة جيدة لدى المصريين فى الشارع، وحتى بين كبار المسئولين، لأنه كان يتحدث بنفس طريقتهم، لكن هذا الأمر سبب له مشكلات فى بلاده. وفى فبراير 2007، أجرت قناة مصرية مقابلة مع دونى، قال خلالها "إن مصر اليوم مختلفة بشكل كبير عن مصر خلال فترة الثمانينيات على المستوى السياسى والاقتصادى"، وأشار إلى أن "هناك مزيداً من الحريات ومزيداً من النقاشات".. جاء ذلك التصريح فى الوقت الذى اتضح فيه أن الحكومة تتراجع عن الإصلاحات السياسية. وهو ما أدى إلى تعرض دونى بعد ذلك لانتقادات عندما عاد إلى الولايات المتحدة، لأنه بدا وكأنه يدافع عن الحكومة المصرية، وانتهت فترة عمله فى مصر بعد ثلاث سنوات، وغادرها الشهر الماضى، وترى شاهبندر أن المصريين أحبوا دونى لأنهم أعتقدوا أنه يحبهم.

ويقول مجدى محمد (22 عاما) طالب بكلية الهندسة، "إن المصريين يريدون الديمقراطية، وبوش تحدث عن الديمقراطية، لكن الجانبين لا يتحدثان عن الشىء نفسه.. فإذا قدمت لنا الديمقراطية الغذاء الذى نطلبه، والحكومة التى تهتم بشعبها، فإن هذا ما نريده". يتضح أن ما يريده هذا الطالب وآخرون هو العدالة وسيطرة القانون، وألا يكونوا بعد ذلك ضحايا لنظام يربط الفرص بالوساطة والقدرة على دفع الرشاوى، فهو لم يكن يتحدث عن انتخابات حرة، بل قال" هذا ما تفعلونه فى أمريكا، لكن زعماءكم ليسوا أفضل من زعمائنا".

وقد غض المسئولون الأمريكيين بصرهم مرات عديدة عن أشياء صغيرة فى الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال عندما قالت كارين هيوز، التى تولت منصب مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون العامة، للنساء خلال تواجدها فى مدينة جدة بالسعودية عام 2005، "إن عليهن أن يكن قادرات على القيادة، والمشاركة الكاملة فى المجتمع"، واجهت بعد هذه التصريحات عداء من جانب الجمهور الذى استضافها.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة