كشفت أحداث الأعوام الثلاثة الأخيرة عن ظاهرة تحمل معها الصحة والمرض, فهى من الناحية السياسية يطلق عليها الحراك الاجتماعى والسياسى, ولكنه حراك ضد السلطة وليس مع الكتلة الصامتة فى المجتمع المصرى بدأت تتحرك بعد أن "عز" عليها الكلام وبعد أن وصل ألمها والضغط عليها إلى مراكز الأعصاب, سواء لسبب الغلاء أو تردى الأوضاع الاقتصادية, أو الفساد من أعلى أو التفاوت الرهيب فى مستويات الحياة, وعدم مشروعية مصادر الثروة الجديدة فى معظم الحالات أو لسبب السياسات الاقتصادية والخصخصة وتحكم أقل من واحد فى المائة فى حياة الملايين دون أدنى شعور بالمسئولية.
والمحزن أن احتجاجات الناس على ظواهر واضحة ملموسة وموجعة يقابلها استخفاف بل وتآمر من جانب المسئولين الذين تراوحت ردود أفعالهم بين المواجهة الأمنية القاسية وتزوير الحقائق وإطلاق المزيد من الوعود وتقديم جرعات عاجلة من حلول وقتية. وأظن أن السلطة يجب أن تدرك أن احتجاج المجتمع المصرى بأكمله له أسباب مباشرة وغير مباشرة. أما المباشرة فهى تضييق الخناق على سبل الحياة كالبطالة والأمراض الاجتماعية وانهيار معظم مظاهر الحياة فى مصر بما لا يتناسب مطلقا مع قدرات مجتمع يستطيع أن يدير نفسه بكفاءة. أما الأسباب غير المباشرة لهذا الغليان فهو انعدام كفاءة السلطة وفسادها واستمرارها وإصرارها مما أدى إلى تفاقم ظواهر المرض. وإنى لأعجب من بعض المثقفين والمسئولين الذين يكتبون ويدلون بتصريحات لطمأنة الناس, بينما الكارثة تحل بالمجتمع.
ويقتضى الإنصاف أن يتم التناظر مع هؤلاء أمام الشعب المصرى وشعوب العالم على الأقل لرد الاعتبار أمام هذا الشعب والنخبة المثقفة, فإن كانت السلطة تدرك ما حل بمصر فإن تقاعسها عن الإصلاح الحقيقى وتزوير الحقائق قد أضاع على مصر المسكينة فرص الشفاء العاجل قبل أن يستفحل المرض, بل إن رجال السلطة وكتبتها لا يخجلون من تبريراتهم وهم لا يدركون أنهم عروا أنفسهم ولم يعد أحد فى مصر يستمع إليهم ، بل لا يطيق أن يرى صورهم وإذا قدر للشعب أن يقول كلمته الحرة فيهم أمام العالم فلا أظن أنه سيسعدهم ذلك.
ولا شك أن التصدى للاحتجاج والمحتجين عن طريق الأمن دون معالجة أسبابه ودون الحوار الصادق مع المحتجين قد أضاف حرجا شديدا إلى الأمن فاضطر بعض عناصره إلى التجاوز تنفيذا للتعليمات العمياء بإسكات الناس، ووصل الإسكات إلى السكوت الأبدى فأساء ذلك إلى صورة الأمن الذى يجب أن يعتز به الشعب. استمرار هذه الحالة سوف يؤدى إلى أحد الأمرين ، أما ثورة الناس ضد الأمن, وإما انضمام الناس مع الأمن فتصبح السلطة بلا أسنان وتسقط فور حدوث ذلك, وهذا احتمال وارد ولكنه مخيف وأرجو أن تأخذ السلطة هذا الاحتمال بعين الاعتبار. وأنى لأعجب أن يستخدم رجال السلطة عبقريتهم فى قمع الاحتجاج بدلا من حل المشاكل التى أدت إليه , ولكن عجزهم عن الحل وإفلاسهم هو الذى دفعهم إلى هذا القمع فأساءوا إلى الوطن وإلى المواطن الذى حرم حتى من حق الأنين. أخيرا فإن الاحتجاج رسالة وليست مواجهة, فإذا فهمتها السلطة على وجهها الصحيح أثمرت لخير المواطن والحاكم, وإن عمت واستعمت كان الوبال على الجميع.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة