سامح فوزى

انكشاف الإخوان المسلمين

الخميس، 08 مايو 2008 12:13 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإخوان المسلمون، مثلهم مثل أى فصيل سياسى لابد أن يكون لديه إحصاء دقيق بعدد الأعضاء المنتمين إليه، والمتعاطفين معه. بالطبع الإخوان المسلمون يعملون تحت الأرض، ويخشون الملاحقة الأمنية، وبالتالى هذا النمط من الأسئلة "التفصيلية" يصادف شكا وريبة من جانبهم. ولكن نظرا لأن الإخوان المسلمين يتعاطون مع الجماهير فى الأحداث السياسية المباشرة، فهم لا يؤيدون الإضراب الأول فى السادس من أبريل، ويقاطعون الانتخابات المحلية قبل يوم من عقدها، ويطلبون من الجماهير البقاء بالمنازل فى يوم الرابع من مايو، فمن الضرورى أن يكون لديهم رقم بعدد الموالين الذين ينتظرون إشارة التحرك.

السؤال إذن مبعثه الحاجة إلى فهم الواقع السياسى لا أكثر. فى الأحداث الثلاثة التى ذكرتها، لم يكن للإخوان المسلمين أى دور على الصعيد الجماهيرى المباشر. الجماهير لم تشارك فى الانتخابات المحلية، مثلما تعزف عن المشاركة فى أى انتخابات. وشاركت قطاعات من المجتمع فى إضراب أبريل، رغم عدم مشاركة الإخوان فيه، وقاطع المجتمع إضراب مايو رغم دعوة الإخوان إليه. إذن أين الثقل الجماهيرى للإخوان المسلمين؟
هذا السؤال طرحته- فى إحدى المرات- على أحد الموالين للإخوان فكان رده "الشارع معنا". هذه العبارة غامضة، وغير واقعية. فى المجتمع المصرى الشارع ملك نفسه، لا أحد صاحب ولاية عليه. لا الحكومة، ولا المعارضة ولا الإسلاميين. الشارع تحكمه قواعد خاصة به.

تصورت "كفاية" أن الشارع سوف يقف إلى جوارها فلم يناهز عدد المتظاهرين فى أى مظاهرة نظمتها الحركة سوى بضع مئات. وتتصور الحركة الإسلامية الأمر نفسه، فلا نجد مظاهر واضحة جلية للتأييد الجماهيرى. لماذا لم تنتفض الجماهير إزاء المحاكمات العسكرية للإخوان، أو حصارهم فى انتخابات مجلس الشورى والمحليات أو التنكيل الأمنى بكوادرها؟
الشارع لا يعرف الإخوان المسلمين، مثلما لا يعرف الحكومة أو قوى المعارضة.

كل ما هنالك أن الإخوان المسلمين يجيدون الظهور فى مرآة مكبرة. يعرفون قواعد الحشد الجماهيرى. فى جنازة أى مرشد للإخوان يحتشد الآلاف، ويمنع الأمن مثلهم على الطريق. وفى الندوات التى تنقلها الفضائيات تظهر أعداد ضخمة مؤيدة للجماعة. فى إحدى ندوات معرض الكتاب منذ ثلاثة أعوام حول "استيعاب الإسلاميين فى النظام السياسى"، كان المتحدثون كثر، منهم د.عبد المنعم أبو الفتوح، ود.عمرو الشوبكي، ود.هبة رءوف، وكاتب المقال. كانت الندوة فى الثالثة بعد الظهر، ورغم ذلك احتشد عشرات الإخوان منذ الصباح الباكر، وبعضهم من المحافظات، أتوا مبكرا واحتلوا كل المقاعد المتاحة، بحيث كان المشهد برمته عبارة عن لحى ونقاب وحجاب، ونقلت قناة الجزيرة الندوة. لو أن مشاهدا لم تطأ قدماه أرض المعارض يومها، ولا يعرف ماذا يجرى فى مصر لتصور أن فى هذا البلد لا يوجد سوى إخوان مسلمين، وهم قاب قوسين أو أدنى من السلطة.

الإخوان المسلمون يظهرون أكبر من حجمهم. الحكومة يعجبها ذلك، طالما أن فى حضورهم فزاعة لغيرهم من الأقباط واليسار والليبراليين، الذين لم يعد أمامهم سوى التحالف مع النظام بحثا عن مكاسب سياسية "شديدة التواضع"، طالما أن البديل الإسلامى لا يعدهم بشيء سوى بمستقبل "مقلق" بالنسبة لوجودهم وحركتهم. ويعرف الإخوان المسلمون حجمهم الحقيقي، لكنهم سعداء بالهالة الإعلامية، والخوف الذى يعترى خصومهم، وارتداء ملابس الضحايا.

بعيدا عن التهوين أو التهويل نريد أن نعرف ما الحجم الحقيقى لحركة الإخوان المسلمين. هل هم بالمئات أم بالآلاف أم بالملايين؟ ليس مبعث السؤال استقصاء أمر سرى، ولكن الهدف الأساسى هو الوصول إلى تحديد الأوزان السياسية للقوى الحزبية المتنافسة على الساحة، ربما يكون ذلك مدخلا لتطوير الحياة السياسية بعيدا عن حالة الاستقطاب السائد: إما حزب وطنى أو إخوان. فإذا كان الإخوان المسلمون- مثل غيرهم من القوى- لديهم حضور جماهيرى محدود فما السبب فى تجميد مشروع التحول الديمقراطى بدعوى مكافحة الإخوان المسلمين؟ وإذا كان الإخوان المسلمون من القوة فلماذا لا نرى لهم تأثيرا فى المناسبات السياسية المشاركين فيها؟

قد يكون الحل فى أن يكون للإخوان المسلمين حزب يعلنون فيه عن عددهم ومقارهم ونشاطهم. ولكن حتى يحدث ذلك فلابد أن يفك الإخوان المسلمون أولا خطوط التماس بين الدعوى والسياسي، كما هو الحال فى الأردن، يعلنون فيه عن مشروع سياسى خالص من القدسية الدينية، وكوادر سياسية، وحزب مدنى ينطلق من المرجعية التى يختارونها، ويكشفون عن وجههم، ويعبرون عن تحيزاتهم ومطالبهم، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. أما إذا كانوا يريدون الاثنين فى كوب واحد، الحزب والجماعة معا. فلا يوجد مجتمع-على وجه البسيطة- يستطيع أن يتجرع جماعة دينية ممزوجة بحزب سياسى. هذا هو الباب الملكى للفاشية الدينية أولا، ثم الفاشية السياسية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة