قطرة واحدة من ماء المحيط كافية لمعرفة ملوحة المحيط كله. وفقرة واحدة من لائحة الأندية الجديدة التى أصدرها المجلس القومى للرياضة كافية لمعرفة فساد اللائحة كلها، وعدم دستوريتها، وكافية كذلك لأن نعرف أنها لائحة تفصيل على مقاس نفر من الأشخاص، ولم تؤسس على قاعدة عامة، لمعالجة ظاهرة عامة باتت تمثل خطراً على الإدارة الرياضية!
هذه الفقرة وردت بالبند الخاص بشروط العضوية وتقضى بألا يكون المرشح لعضوية مجالس إدارات الأندية، قد تعرض للحبس فى أى جريمة ونال حكماً مقيداً للحرية!
وقد ورد هذا الحظر شاملاً وجامعاً لكل الأحكام المقيدة للحرية دون تمييز بين الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، وبين الجرائم التى ترتكب دفاعاً عن الشرف، كما لم يميز المشرع الرياضى بين العقوبة المقيدة للحرية فى جرائم القتل الخطأ! وبتنا بصدد لائحة ديكتاتورية عجيبة تسلب حقوق المواطن المدنية والدستورية، والتى لا تحول دون الترشيح لعضوية البرلمان ذات نفسه، أى أن القيود المفروضة على الترشيح فى النوادى الرياضية، أقوى من القيود المفروضة على مرشحى مجلس الشعب.
أما السبب فى إضافة هذا النص فهو منع "مرتضى منصور" رئيس مجلس إدارة الزمالك السابق من الترشيح فى الانتخابات المقبلة الذى قضى عقوبة السجن لمدة سنة، بتهمة التعدى على رئيس مجلس الدولة، أى إنه عوقب وتم تقييد حريته، غير أن الجهة الإدارية، فى سعيها للانتقام منه، سلبت حقاً كفله الدستور لأى مواطن مصرى بالترشيح لعضوية مجالس إدارات الأندية.
"مالم يكن قد نال حكماً قضائياً بالحبس فى جريمة مخلفة بالشرف" وهو النص السابق فى اللائحة القديمة والذى تم تعديله وتفصيله على مقاس مرتضى منصور، وهذا النص وحده يكفى لإبطال اللائحة كلها حال الطعن عليها، ورفض قبول أوراق ترشيح مرتضى منصور فى انتخابات الزمالك المقبلة، وهو ما سيحدث بالفعل!
ولقد كان ممكناً وضع ضوابط أكثر دستورية وعدلاً للحيلولة دون دخول "العناصر المشاغبة" فى الإدارة الرياضية، لو أن المشرع الرياضى توسع فى ممارسة الجمعيات العمومية لسلطاتها الديمقراطية، بحيث تبيح عزل الإدارة ومساءلة رئيس النادى إذا ما خرج عن مبادئ وقواعد وقيم الروح الرياضية، لكن المشرع منح الجهة الإدارية حق منع الترشيح من المنبع، وبما يجور على الحقوق المدنية العامة!
وليس هذا النص وحده الذى يشى بقدر هائل من استبداد الجهة الإدارية والسلطة الحكومية، فهناك من النصوص المطاطة ما تسلب الجمعيات العمومية إرادتها، وما يجعل الإدارة المنتخبة مجرد سلطة شكلية مكملة لأركان الديكور الديمقراطى، كتلك الفقرة التى تمنح الجهة الإدارية سلطة حل مجالس الإدارات التى لا تعمل بتوجيهات الجهة الإدارية!
و"التوجهات" كما نعلم كلمة مطاطة وحمالة أوجه كثيرة، يمكن الدفاع بها عن المصلحة العامة، كما يمكن الدفاع بها من الشيطان! والظاهرة اللافتة للنظر فى اللائحة الجديدة، إنها خصمت من سلطة الجمعيات العمومية، وأضافت لسلطة الجهة الإدارية، ووضعت الإدارات الرياضية المنتخبة تحت سيف ومقصلة التهديد بالحل إذا ما اجتهدت الإدارة الأهلية وخرجت عن النص اللائحى، بينما الأصل أن القطاع الأهلى يدير نفسه ذاتياً، وهذا الأصل يفترض أن ينسجم والدستور الأوليمبى من جهة، والخطاب الحكومى، الذى يتحدث عن توسيع سلطة المجتمع المدنى، وهو خطاب يكشف تناقضاً فجاً بين ما يقال فى الميكروفونات وما يجرى على أرض الواقع من مصادرة لحرية المجتمع المدنى!
ولا ندرى فى الواقع ما هى مصلحة الحكومة فى بسط قبضتها على المجتمع المدنى الرياضى وما هى المصلحة فى تعسف الإدارة الحكومية فى استخدام سلطة "الحل والتعيين" والذى يفضى دائماً لأحكام قضائية ببطلان قرارات الحل والتعيين، وهز الثقة بالجهة الإدارية والسلطة الحكومية الرياضية!
إن الأصل فى التشريعات الرياضية أن تمنح استقلالية للهيئات الرياضية، لأن الحركة الأوليمبية الدولية، تأسست على قاعدة ديمقراطية، وعلى فلسفة الاستقلال التام عن السلطة الحكومية واشترطت على أعضاء اللجنة الأوليمبية الدولية أن يكونوا شخصيات مستقلة، وهؤلاء الأعضاء يمثلون اللجنة الأوليمبية الدولية فى بلادهم وليس العكس، ومهمتهم الأصلية هى مراقبة الحركة الأوليمبية فى بلادهم، والدفاع عن استقلالية المؤسسات الديمقراطية اللجنة الأوليمبية، والاتحادات الرياضية، والأندية ضمنياً، لكن الجهة الإدارية الحكومية، تتحايل على الميثاق الأوليمبى والقانون الدولى، وبما يهدد بتجميد عضوية مصر فى اللجنة الأوليمبية الدولية، فى حالة صدور لائحة جديدة بعد أيام تشى بتدخل الحكومة فى سلطة اللجنة الأوليمبية والاتحادات الرياضية!
ودون توخى المخاطر ومعرفة مدى السلطة التى تتمتع بها اللجنة الأوليمبية الدولية، التى كثيراً ما جمدت عضوية بعض اللجان الأوليمبية الأهلية التابعة لها لوجود شبهة تدخلات حكومية فى شئونها، وبما ينتهك استقلاليتها.
ولقد حدث ذات مرة أن أوعزت الجهة الإدارية للجمعية للجنة الأوليمبية بإسقاط المهندس أحمد الدمرداش تونى، الذى كان دائم الصدام مع وزارة الشباب والرياضة دفاعاً عن استقلالية الحركة الرياضية، وقد أسقط التونى فى الانتخابات بفعل فاعل وبضغوط حكومية، وكان عضواً باللجنة الأوليمبية الدولية، وشخصية تحظى باحترام واسع فى الحركة الأوليمبية العالمية التى أصيبت بصدمة من جراء التنكيل بالتونى وإسقاطه فى مصر، رغم كونه واحداً من أهم قيادات الحركة الأوليمبية الدولية، فما كان من اللجنة الدولية إلا أن أضافت نصاً فى القانون الأوليمبى يمنع إسقاط التونى مرة أخرى وإبعاده عن اللجنة الأوليمبية المصرية، وهذا النص يجعل عضو اللجنة الأوليمبية الدولية عضواً بلجنة بلاده الأوليمبية من دون انتخابات بل وعضواً بلجنتها التنفيذية، وبحيث يسقط الاعتراف باللجنة الأوليمبية الأهلية، ما لم يتم تنفيذ هذا البند!
إن المشكلة الحقيقية التى تواجه تقدم الرياضة المصرية، هى التسلط الحكومى وإخضاع الإدارات الأهلية بسلطة حكومية بيروقراطية، وجماعة من الموظفين المستبدين الذين لا يعرفون أصل الحكاية، وأصل القوانين واللوائح الرياضية، وأصل الرياضة والهدف منها.
المشكلة الحقيقية أن الحكومة اختزلت مهمة الرياضة ودور المؤسسات الرياضية، فى التأييد والمبايعة المزمنة للنظام، والاهتمام بنشاط "الحناجر"، وصناعة كوادر من الرياضيين "الهتيفة"، الذين يمشون فى المسيرة، ويرفعون شعار بالروح والدم نفديك يا ريس!
وقد ظهرت طلائع الهتيفة، تؤيد اللوائح الاستبدادية الجديدة، من قبل أن تصدر، وبعد أن صدرت، من دون أن يقدم لنا أحد مبرراً مقنعاً لتأييد اللوائح على بياض، دون نقاش ولا حوار، ولمجرد أنها صادرة من الحكومة، ربما يفيد نجاح الحكومة منقطع النظير فى مجال صناعة كوادر جديدة من العبيد والمسحوقين والهتيفة!
لوائح الرياضة الجديدة تصنع كوادر العبيد وجماعات الهتيفة !
الأربعاء، 07 مايو 2008 12:08 م