إذا افترضنا أن لنجاح الإضرابات مقياساً من عشر درجات وحصل إضراب أبريل الماضى على أربعة من عشرة بدون مشاركة جماعة الإخوان المسلمين، فكان من المفترض أن مشاركة الجماعة فى إضراب مايو ترفع هذا المؤشر بما يتناسب مع حجم الإخوان فى الشارع المصرى، ولكننا فوجئنا بتراجعه بدلا من ارتفاعه وكأن قيمة الإخوان قيمة سالبة تؤدى إضافتها إلى انخفاض القيمة الأصلية وليس زيادتها. وهذا الافتراض غير صحيح فالجماعة لها وزن من الممكن أن نختلف فى تقديره ولكننا لابد من الاعتراف بوجوده.
والحقيقة أن انخفاض المؤشر يرجع لعدة أسباب قيل فيها الكثير، وأغلب ما قيل منطقى ولكن كان من الممكن أن يكون تأثيره السلبى أقل مما حدث لو أن الجماعة استوعبت طبيعة الدعوة للإضراب وطبيعة الداعين له والتعامل بموضوعية وعقلانية بدلا من محاولة ' أخونة ' الإضراب أى صبغه بصبغة الإخوان وجعله إضراباً إخوانيا أكثر من كونه وطنياً، وهو ما آثار حفيظة آلاف الداعين له ، وتجلت صور "الأخونة" فى عدة مواقف منها على سبيل المثال تغيير الشعار الأشهر لإضراب أبريل "خليك فى البيت" إلى"الزم البيت"، وهو قول مستوحى من حديث نبوى شريف يحض على اعتزال الناس فى زمن الفتنة وعدم إمكانية التعاون مع الناس، بالإضافة إلى طرح برنامج إسلامى للإضراب يتضمن ما سموه بصلاة وطنية تحت شعار "صلوا من أجل مصر" وصيام يوم الإضراب.
وعلى رأى أحد نشطاء الجماعة على الفيس بوك "إحنا بنضرب يارب علشان أمرتنا بالتغيير وأنت اللى قلت لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". أما "الأسفين" الحقيقى الذى ضربه الإخوان فهو تسريب أن الموعد الجديد للإضراب القادم هو الخامس من يونيو ذكرى النكسة وهى الذكرى المفضلة لدى الجماعة لـ "فش غلها" فى عبد الناصر والناصريين ، مضافاُ إلى ذلك التشديد على عدم التظاهر..
ولن افترض سوء نية الإخوان أو تعمدهم ضرب كرسى فى الكلوب ولكنى أتصور أن "عنجهية" الجماعة ونرجسيتها ناهيك عن الانتهازية أعمت الجماعة ونشطائها عن طبيعة الداعين للإضراب ومن بينهم الناصرى والماركسى والمسيحى والعلمانى ومنهم من يرفض العمل تحت لواء الإخوان أياً كانت أطروحاتهم ومنهم لا يهتم بالعمل السياسى بمفهومه التقليدى . ومن المؤكد أن كل هؤلاء لم يتقبلوا "أخونة" الإضراب وتخوفوا - ومعهم حق- من أن الجماعة تسعى لتعويض ما فاتها فى الإضراب الأول واحتكار منصة التتويج خصوصاً أن برنامج "أخونة الإضراب" جاء بمثابة بديل عن البرنامج الذى طرحه " الفيسبوكيون"، بمعنى أنه لم يحترم عقلهم واصطدم بمفهومهم للإضراب علاوة على أن الحديث عن 5 يونيو يدخل تحت بند "الجليطة وقلة الذوق"، و من المؤكد أن سوء أداء الإخوان ولا نقول سوء نيتهم، كان سبباً من أهم أسباب تراجع مؤشر إضراب مايو عن نظيره"الأبريلي" . .
ويبقى لنا أن نتساءل عما إذا كان هذا التراجع مقدمة لانهيار حركة المناضلين الالكترونيين واندثار الظاهرة الفيسبوكية، والإجابة هى النفى، فقد أضاف هؤلاء الشباب ترساً جديداً لعجلة التغيير فى مصر وحققوا نجاحاً فى تغيير لغة الخطاب السياسى المصرى خصوصا على المستوى الرسمى، ويكفى أن التغلب عليهم احتاج لحشد أجهزة الدولة ورجال أعمالها ووسائل إعلامها ودعاتها المسلمين والمسيحيين ، ويمكن الإيجاز بالقول إن الانترنت تحول إلى أكاديمية لتخريج كوادر معارضة مصرية بمعايير جديدة.