فى مدة لا تتجاوز أسبوعين صدر بحق المواطنة إسراء عبد الفتاح أربعة قرارات إدارية، كل قرار منها له أسبابه و دوافعه، و كل قرار تكمن وراء صدوره حكمة تعلمها الجهة التى أصدرته. لكن الشيء الوحيد الذى جمع بين هذه القرارات التى يناقض بعضها بعضاً هو وصفها من قبل الصحف القومية بأنها قرارات صحيحة و فى محلها و كان لا بد منها.
القرار الأول كان بالقبض على المواطنة إسراء عبد الفتاح أثناء جلوسها على مقهى بوسط البلد واحتسائها سحلب بالبندق. كتبت الصحف تدافع عن قرار القبض على إسراء و إلقائها فى الحجز تمهيداً لعرضها على النيابة لأنها قامت بالتحريض على الإضراب يوم 6 أبريل الماضى و دعت مع زملائها على الفيس بوك إلى بقاء الناس فى منازلهم و عدم خروجهم إلى الشارع كتعبير عن الاحتجاج على سوء الأحوال و تدهور مستوى معيشة الناس و ارتفاع الأسعار التى سحبت ثوب الستر عمن كانوا لا يزالون مستورين. كان الملاحظ فى مانشيتات الصحف هو الحماس الشديد للقبض على الفتاة حتى تكون عبرة لغيرها من الشباب الداعى الى الاحتجاج السلمي!..و كانت رؤية الصحف أن قرار القبض عليها هو قرار حكيم صدر لصالح الوطن.
القرار الثانى كان بالإفراج عن إسراء عبد الفتاح بأمر من النائب العام شخصياً. وقد امتدحت نفس الصحف التى هللت للقبض عليها قرار النيابة بالإفراج عنها ووصفته بالقرار الإنسانى العظيم. وعلى الرغم من أننى لا أرى فى أمر النيابة بالإفراج عنها أى كرم أو أريحية تستحق وصفه بالقرار الإنساني، حيث إن القرار صدر ببساطة لأنه لم يثبت فى حقها مخالفتها للقانون..لا أكثر و لا أقل. على الرغم من هذا فلا بأس بالتهليل بقرارات الإفراج عن الأبرياء و لو جاء من نفس الصحف التى حرضت على القبض عليهم!
القرار الثالث الذى يخص إسراء صدر من وزارة الداخلية بعد صدور أمر النائب العام بالإفراج عنها، و كان قراراً باعتقالها طبقاً لقانون الطوارئ. و للمرة الثالثة تعود نفس الصحف التى هللت للقبض عليها ثم عادت وأثنت على قرار إطلاق سراحها، فتظهر سعادة بالغة بالقرار رقم ثلاثة الذى صدر باعتقالها، و ذلك حتى يتم درء خطرها عن المجتمع المصرى و شبابه البريء الذى غررت به دعوة إسراء عبد الفتاح للإضراب والجلوس فى البيت.
ثم لا تكاد بضعة أيام تمر على القرار الحكيم باعتقالها لاتقاء شرها حتى يصدر قرار قالت عنه الصحف نفسها إنه قرار إنسانى عظيم صدر من وزارة الداخلية حرصاً على مستقبل الفتاة الشابة التى ما زالت فى مقتبل العمر و ينتظرها مستقبل زاهر إذا ابتعدت عن الشباب الشرير من المدونين و أصحاب مجموعات الفيس بوك.
ما أود الإشارة إليه فى هذا الموضوع هو الدرس البليغ الذى قدمته صحف الحكومة لبقية الصحف، و هو عدم التشبث بالرأى والإصرار عليه بعد أن يثبت خطأه، و لقد ضربت تلك الصحف المثل فى المرونة و تغيير المواقف والاتجاهات كلما دعت المصلحة الوطنية. فانطلقت فى البداية من الإدانة الكاملة للفتاة و الرغبة فى العصف بها و القضاء على مستقبلها، إلى الترحيب بالإفراج عنها من قبل النيابة، إلى التهليل لعدم إطلاق سراحها و الترحيب بصدور أمر اعتقالها، وصولاً للقرار الإنسانى من وزارة الداخلية بتركها تعود إلى أهلها..كلها قرارات عظيمة و كلها قرارات إنسانية فى حب مص، و فى حب مصر كله يهون..حتى لو أدى إلى إصابتنا بالجنون.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة