"لولا وجود المشاكل ما وجدت الإضرابات ولكن الناس لديها متاعب ومشاكل كثيرة وتريد أن تعبر عنها "، هكذا علق د. نصر حامد أبو زيد فى المحاضرة التى ألقاها السبت بالجامعة الأمريكية تعليقاً على ظاهرة انتشار الإضرابات والمظاهرات، مؤكداً أن القوانين التى تصاغ الآن فى مصر عبارة عن عقاب قائم على فلسفة حمائية هى جوهر الاستبداد. أضاف أن هذا الاستبداد لا يقتصر على فرد واحد دائما وإنما يتمثل أحياناً فى مؤسسات مثل "الأمن" مستشهداً بقانون المرور الجديد الذى وصفه بأنه "عبارة عن عقاب فى عقاب"، قال أبو زيد "إن مشكلة الأزهر الحقيقية تكمن فى عدم استقلاليته"، مؤكداً أنه لابد أن يستقل ويستعيد جميع الأوقاف التى اقتطعت منه ويتخلى عن كونه مؤسسة تابعة للدولة و"هذا الأفضل لنا جميعاً".
وصف أبو زيد العلاقة بين الفن والدين بقوله: "إن الفن فى جوهره هو ممارسة الحرية وبذلك يصبح خطراً على كل المفاهيم السياسية والاجتماعية والدينية الرجعية ومن أعجب ما قرأت مؤخراً من خطب التحريم، شخص يحرم المظاهرات ولا أدرى على أى أساس يحرم حق الإنسان فى أن يقول لا ويحرمه من حقه فى التعبير"، مؤكداً أن خطاب التحريم أصبح سائداً فى المجتمع فنجد الخطاب السياسى والخطاب الدينى والمجتمع يفزعون من الفن ... الفن حياة والدين أيضاً حياة إذن فمن يحرمون الفن هم أعداء الحياة.
وتحدث عن علاقة الدين بالفنون فقال: "نحن لا نعرف إن كان الدين انبثق من رحم الفن أم الفن انبثق من رحم الدين، إن العمارة الموجودة فى المساجد هى فن بامتياز قبل أن تكون مجرد تزيين لأماكن العبادة من حيث النقوش والألوان، وإذا كنا نعتقد أن الإسلام ضد الفن فعلينا تحطيم هذه الأشياء فى المساجد، الصلوات والأدعية والابتهالات فى جميع الأديان هى نصوص شعرية وأدبية ليست فقط من حيث اللغة والبناء ولكن أيضاً من حيث التأدية والتنغيم وتحليلها أيضاً يؤدى إلى إثبات أنها نصوص أدبية تدخل فى نطاق الشعر والأدب، كذلك الأمر بالنسبة للتصوير والرسم فأنت تشترى لوحة بها آيات قرآنية ليس لقراءتها ولكن كلوحة جميلة للتمتع البصرى".
وصل أبو زيد إلى نتيجة نهائية عبر عنها بقوله "إذا نزعت الفنون مثل الشعر والغناء وفنون العمارة فى المساجد من الحضارة الإسلامية، فماذا يتبقى لنا فى هذه الحضارة التى نفخر بها؟!". ذكر أبو زيد أن هناك خلطاً بين الثقافة الإسلامية والعربية لأن الثقافة الإسلامية أوسع ويؤكد ذلك بقوله "أخشى أن أقول بإن العرب أصبحوا أقلية بعد انتشار الإسلام".
وفى تعليقه على ما قامت به "طالبان" من تحطيم للتماثيل، قال: عيب أن يقول أحد الآن إن التماثيل حرام لأننا إذا كنا بالضعف والتخلف وإيماننا هزيل لكى نعود لعبادة الأصنام والتماثيل"يبقى نغور فى داهية أحسن "، مضيفاً أن التمييز بين التماثيل الكبيرة والصغيرة والكاملة والناقصة مجرد "تماحيك" فالمصريون هم الذين تبرعوا لكى يقوم محمود مختار بعمل تمثال "نهضة مصر" فهل كل هؤلاء المصريين كفرة؟!، لكن الإشكالية تكمن فى أن الثقافة السمعية تعادى الفنون البصرية التى تكاد تكون غائبة فى مجتمعاتنا، وأوضح أن المسلمين لم يفعلوا هذا عند دخولهم إلى هذه البلاد فهل كان علينا أن ننتظر(طالبان) ليقولوا لنا إن كل العرب والمسلمين السابقين كانوا ملحدين؟.
تطرق أبو زيد فى حديثه إلى مسألة التوتر بين الوحى والشعر فقال: "جاء من قال بإن الشعر مصدره الجن والوحى مصدره السماء لذا أصبح الفصل بين الوحى والشعر ضرورة للبعض ممن رفضوا وصف القرآن بالشعر والنبى "محمد" بالشاعر فى حين أنه لولا ظاهرة الشعر وما تمثله من تواصل بين الجن والبشر ما قبل العرب الوحى"، مضيفاً أن هناك مشكلة واقعية هى أن الشعر استخدم كوسيلة إعلامية للإسلام ممثلاً فى مجموعة من الشعراء، وبعد أن قال الرسول لحسان بن ثابت " قل وروح القدس تؤيدك"، أصبح هناك نوعان من الشعر أحدهما مؤيد بروح القدس والآخر منبوذ تتلوه الشياطين وبعد ذلك جاء شعر الصوفية ليتحرك فى تعبيراته بين الحب والخمر ليصف أحوال المتصوفة، فلا تكاد تخلو صفحة من كتاب ابن عربى "الفتوحات" من ذكر الخمر، ففى الوقت الذى يعتبر فيه الفقيه أن الخمر حرام فالصوفيون يستخدمونه تعبيراً عن الحب.
حول تقديم الشخصيات الدينية فى الدراما قال: لو أن ممثلاً قام بتجسيد شخصية ابن عباس فهل سيكون هو ابن عباس فعلاً؟، ولا أعتقد أن شخصية مثل بلال مؤذن الرسول يمكن أن تجسد فى عمل فنى فى أيامنا هذه على الرغم من أنها قدمت من قبل فى فيلم سينمائى. ووصف أبو زيد مشكلة خطاب التحريم السائد بأنها تكمن فى تجريف العقل الذى يتوقف تدريجياً مع غياب الحرية عن النبض ويصبح الإنسان محتاجاً إلى موجه يقوده، ويضيف أن الناس الآن يسألون عن أشياء لم تكن تخطر على أذهان آبائهم أو أمهاتهم الذين كانوا لا يطلبون الفتوى إلا فى مسائل مثل الطلاق والزواج والحج، لكن الناس الآن يذهبون إلى الشيخ ليسألوه هل يجوز أن تتعرى الزوجة أمام زوجها فى النور أم لا؟ وأصبح هناك سوق للفتاوى وكل قناة دينية متخصصة فى شىء.
"الدين تحول إلى وقود تحرقه الدولة"، قال أبو زيد، فعلى الرغم من أن دستور الدولة قائم على الدين لكن يأتى بعد هذا من يحظر إقامة أحزاب على أساس دينى إذن "فمن حقى أن أطلب من الدولة أن تحمينى من نفسها وتخرج هى من الدين". علق أبو زيد على مسألة الحجاب قائلاً "لا أقبل بمقولة إن الحجاب فريضة، وهل أضيفت فريضة جديدة إلى الفرائض؟، المسألة أعمق من مجرد تغطية الشعر والفتنة".
وأكد أن الخطاب الدينى المصرى (الإسلامى والمسيحى) "ينزحان من نفس البئر"، فالموقف المضاد للمرأة هو موقف مصرى وليس إسلامياً كما يظن البعض، وأضاف أنه على الرغم من تأييده لموقف البابا شنودة من التطبيع إلا أنه يعترض على"المعاقبة الدينية" لمن يذهبون إلى الحج من المسيحيين. وفى نهاية حديثه ذكر أبو زيد أنه ليس رجل دين مختصاً بالفتوى ولكنه مجرد باحث مشغول بتحليل الخطاب الدينى.
قال إن القوانين فى مصر عقاب دائم والإضرابات انعكاس لمتاعب الناس:
د. نصر أبو زيد: نعيش تجريفاً للعقل المسلم
الأحد، 04 مايو 2008 02:15 ص
د. نصر حامد أبو زيد - تصوير سامى وهيب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة