وصل عدد ضحايا الحرب الأفغانية من الجنود البريطانيين إلى 97 قتيلاً, سقطوا فى المعارك الدائرة بإقليم هلمند, حيث تتولى بريطانيا ملف تأمينه وتطهيره من عناصر حركة "طالبان". ولدى القوات المسلحة البريطانية ما يقرب من 7800 جندياً يتحركون تحت مظلة حلف "الناتو" الذى يقود الحملة العسكرية فى أفغانستان للتصدى لمنظمات إرهابية ومنع نظام "الملا عمر" من العودة مرة أخرى إلى حكم "كابول" .
وبينما استقر موقف القوات البريطانية فى "البصرة" بسبب حمايته لهما بقاعدة جوية بعيداً عن المعارك, تشتعل الجبهة الأفغانية مع تطور أساليب حركة "طالبان" المصممة على القتال والرافضة للتراجع أمام زحف قوات "الناتو" إلى قواعدها ومناطق نفوذها. وتستخدم "طالبان" حرب العصابات لإجهاض القوات النظامية الدولية, وإن كانت بريطانيا تحرك بعض خلايا تشكيلات عسكرية خاصة للعمل داخل مناطق"طالبانية" وتنفيذ عمليات ترهق هذه الحركة, التى تعتمد فى رأى بريطانيين على بيع "الأفيون" والتوسع فى زراعته لتمويل نشاطها العسكرى.
وقد ازدهرت زراعة الأفيون منذ دخول الولايات المتحدة ودول التحالف إلى الأرض الأفغانية. وتعترف بذلك تقارير "الناتو" والاتحاد الأوروبى وهيئة الأمم المتحدة. وهناك تحالف وثيق بين حركة "طالبان" وأمراء الحرب لزراعة الأفيون فى أفغانستان, حيث انتهى الخصام الذى حدث خلال حكم "الملا عمر"، بينما الآن توجد عملية مصالحة بين الطرفين, حيث تتوسع زراعة الأفيون فى ظل حراسة "طالبان" لها, مع استخدام العائد المادى لتمويل معركة ممتدة على طول أفغانستان وعرضها.
وتبدو الحكومة الأفغانية برئاسة حامد كرزاى, محاصرة داخل "كابول". وقد امتدت إليها نيران "طالبان" خلال المحاولة الأخيرة لاغتيال رأس النظام كله وأركان حكومته, عبر إطلاق الصواريخ والرصاص على منصة الرئاسة, خلال استعراض عسكرى فى قلب العاصمة الأفغانية.
كان وصول النيران الطالبانية إلى منصة الرئيس إشارة إلى تغلغل نفوذ الحركة وكسرها للمتاريس الأمنية التى تضعها الحكومة وقوات الأمن حول النظام ورموزه الفاعلة. وكشفت العملية هشاشة الوضع الأفغانى كله, على الرغم من التكلفة الباهظة لمعركة مستمرة منذ الغزو الذى قادته الولايات المتحدة وحلفاء لها, بعد تفجيرات واشنطن ونيويورك التى أعلن تنظيم القاعدة مسئوليته عنها.
وهناك فى بريطانيا ما يطرح قضية الحوار مع "طالبان" للوصول إلى تسوية ما, إذ لا يمكن استمرار الحرب بلا نهاية, دون وجود هدف سياسى واضح. وترفض حكومة حامد كرزاى هذا الطرح البريطانى وتعتبره خيانة وتعاند من يقول به بشكل مباشر. وقد نجمت أزمة مع بريطانيا نتيجة قبض السلطات الأفغانية على شخصية بريطانية, كانت تحاول إجراء التفاوض مع جماعة "الملا عمر" وإنشاء بعض وسائل الاتصالات معها.
كان رئيس الوزراء البريطانى جوردون براون طرح قضية الحوار للوصول إلى صيغة ما, لكن هذا المفهوم فى اتجاه تسوية سياسى, قابلته "كابول" بالغضب والاحتجاج مما أشعل أزمة بريطانية أفغانية, تم حلها بعد ذلك بواسطة أمريكية.
تلتزم لندن بإرسال قواتها إلى أفغانستان لمحاربة طالبان. وهناك اتفاق عام بين الأحزاب لتأييد هذه المهمة, على عكس موضوع العراق, إذ انفجرت خلافات واعتراضات على قرار الحكومة بغزو بغداد مع الولايات المتحدة والاستقرار العسكرى فى منطقة البصرة. وسبب الخلاف, أن بعض الأحزاب البريطانية ترى أن العراق لم تكن له علاقة فى مساندة منظمات إرهابية, وأن حكومة نظام صدام حسين السابقة, لم تكن على وفاق مع القوى الأصولية ولم تسمح بتسلل نفوذ القاعدة إلى البلاد. غير أن بعض القوى المتعاطفة مع إسرائيل فى الإدارة الأمريكية, كانت تعترض على موقف بغداد من الملف الفلسطينى ودفع الأموال لعائلات منفذى عمليات انتحارية ضد أهداف إسرائيل.
ولا يزال موضوع غزو العراق يثير الخلافات بين القوى السياسية البريطانية, وإن كان قد أصابه الخفوت نتيجة انسحاب القوات العسكرية إلى قاعدة منعزلة بعيداً عن اضطرابات البصرة ومعاركها مع متمردين وميليشيات مسلحة لا تزال تحتج على الحكومة فى بغداد.
بشأن أفغانستان, هناك التوافق الحزبى البريطانى بين الحكومة والمعارضة على استمرار دعم الحرب على الإرهاب, وإزالة حركة طالبان من المواجهة العسكرية, لأنها متحالفة مع تنظيم القاعدة وتستضيفه على الأرض الأفغانية, التى كانت تغذى حركة الإرهاب الدولى على مستوى العالم كله.
وتشارك فى حملة الناتو فى أفغانستان أكثر من 34 دولة منها تركيا المسلمة, التى تساهم مع الحلف الغربى, سعياً للقضاء على المعارضة المسلحة, الرافضة للعملية السياسية فى كابول، وتعارضها باستخدام العنف والعمليات الانتحارية والأخرى بالسيارات المفخخة والمتفجرات التى يتم وضعها على جانب الطرق لقتل أفراد الدوريات العسكرية التابعة لدول التحالف الموجودة على الأرض الأفغانية.
وعلى الرغم من التوافق الحزبى والحكومى على مساندة الحرب فى أفغانستان, فإن بعض المنظمات الحقوقية وأخرى سياسية فى لندن , تطالب بالانسحاب الفورى من هناك وترك هذا البلد يعالج شئونه بالطريقة التى يريدها. وترد الحكومة على ذلك بأن الخروج من أفغانستان, سيعنى عودة طالبان ونظام الملا عمر, للتحالف مع تنظيم القاعدة مما سيهدد بريطانيا والولايات المتحدة, التى تعرضت لهجوم من التنظيم استهدف وزارة الدفاع الأمريكية فى واشنطن ومركز التجارة العالمى بمدينة نيويورك.
كان رئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير، يقول إن الوجود العسكرى لبلاده فى أفغانستان, هو لمنع تنظيم القاعدة من شن هجوم على بلاده, كما حدث فى الولايات المتحدة, خصوصاً بعد دخول لندن إلى البصرة ووجود احتجاج من قوى أصولية على هذه الخطوة, مما أدى إلى تفجيرات فى شبكة المواصلات البريطانية العامة خلال عام 2005. وهذا الاتفاق السياسى البريطانى على الحرب فى أفغانستان, لا يمنع بعض الأصوات التى تطالب بالبحث عن حل آخر.
وأدى سقوط ضحية بريطانية جديدة فى إقليم هلمند لتجديد البحث عن طريقة تجفف طبيعة الصراع فى أفغانستان وتلجم طالبان عبر تسوية ما, وتطوير هذه البلاد التى تعانى من فقر يساعد على نمو التطرف والتزمت معاً. وقد فشلت جميع محاولات الدول المانحة لتحريك الوضع الأفغانى إلى الأفضل, إذ إن التبرعات الدولية تذوب فى ساحة ينتشر فيها الفساد مع التخلف, لعدم وجود أجهزة دولة قوية قادرة على توظيف التبرعات فى إطار بناء المشروعات وتحديث الدولة للقضاء على تمرد طالبان بوسائل أخرى غير العمل العسكرى المباشر .
وتبدو بريطانيا ودول الناتو متورطة فى موقعة عسكرية طويلة الأجل وقد طالبت حكومة براون حلف الناتو بإقناع دول أخرى لإرسال قوات عسكرية لمساعدة جنودها فى إقليم هلمند, حيث يواجهون "طالبان" بمفردهم.
وقد وعدت فرنسا بإرسال قوات إضافية لها. ولا تزال لندن تنتظر المدد الفرنسى مع ارتفاع عدد ضحاياها, مما يطرح تساؤلات على الحكومة عن مستقبل هذه الحرب وإلى أى مدى ستستمر؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة