هيكل: العرب تزينوا لأمريكا فتركتهم إلى إسرائيل

الخميس، 29 مايو 2008 11:52 م
هيكل: العرب تزينوا لأمريكا فتركتهم إلى إسرائيل الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل
كتب محمد الجالى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أمام حشد كبير من الصحفيين والإعلاميين وطلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة تولى الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل مهمة تقديم "ستيفن والت" العميد الأكاديمى السابق لمدرسة جون كيندى، وقال هيكل فى ختام الدورة الدراسية المكثفة للصحفيين التى نظمتها مؤسسة هيكل للصحافة العربية: سعدت المؤسسة بدعوة الدكتور "ستيفن والت" لدورة دراسية مكثفة عن "سياسة الولايات المتحدة الأمريكية خصوصًا فى الشرق الأوسط"، شارك فيها أكثر من ستين شاباً وشابة من طلائع العمل الصحفى العربى، ثم إن ختام هذه المناسبة يجىء بهذا الاحتفال الذى نسعد فيه بكم مستمعين معاً إلى أستاذ مرموق فى علوم السياسة الدولية - كتب مع زميل وصديق له دراسة مهمة عن جماعات الضغط الإسرائيلية فى الولايات المتحدة - وهذه دراسة انطلقت من جامعة "هارفارد" ومازال صداها يجوب آفاق العالم، مستثيرا عقولاً وضمائر تبحث عن حق وحقيقة!

وأضاف هيكل: هناك سؤال معلق يملأ آفاق هذه المنطقة منذ ستين عاما وأكثر، وهناك محاولات لم تنقطع لحل لغزه وكشف سره، لكن معظم المحاولات طاشت سهاما فى الفضاء لم تصب هدفا، ولم تحقق طلبا، مشيرا إلى أن صميم المشكلة: أننا دائما أمام سؤال لا جواب له ملخصه: "كيف يمكن أن تكون مصالح الولايات المتحدة الأمريكية فى الشرق الأوسط جميعها فى حوذة العرب من المواقع إلى الموارد، ثم تكون سياسة الولايات المتحدة فى معظمها انحيازا ضد العرب، إلى درجة الجفاء والخصام؟! وقال هيكل: هناك قاعدة بديهية - وعلمية فى نفس الوقت - تؤكد أن سياسات الدول ترتبط وتسير وراء مصالحها، لكن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، تمضى بإصرار على طريق صدام مع هذه القاعدة البديهية والعلمية - بمعنى أن مصالح الولايات المتحدة الكبرى والحيوية فى هذه المنطقة عند العرب يقينا - لكن هوى السياسات الأمريكية منجذب إلى ناحية إسرائيل دوما، وبغير تنبه أو توازن يعطى للتصرفات مصداقية المنطق والعقل، وذلك هو السؤال اللغز المعلق.

وأكد هيكل أن الانحياز الأمريكى الجارف نحو إسرائيل تسبب فى إساءات بالغة إلى العلاقات العربية - الأمريكية، مضيفا أنه مع ذلك فإن العرب فى ارتباكهم - وبالتحديد بعض الكبار من ساستهم - لم يقصروا فى لوم أنفسهم، حتى ظهر بينهم من رأوا أن مسئولية هذه الأحوال تقع بكاملها على هذه الناحية، وليس على الناحية الأخرى مسئولية شىء منها، وعليه فإنه - بدلا من الحيرة والارتباك - يكون الأجدى للعرب ترويض الذات وتهيئة المستقبل لعصر يظهر أمامهم زمانا أمريكيا له سلطانه، وله أحكامه. وكذلك توقف العرب عرايا أمام المرايا للبحث عن العيوب والذنوب، وغاية أملهم صنع مثال لما يتصور بعضهم أن الولايات المتحدة تريد أن تراه فيهم - وهم يتقدمون إلى طلب قبولها ورضاها. وقد بادر أصحاب ذلك الأمل بإصرار، فأزالوا ما ظنوه تشوها هنا أو ترهلا هناك، وأصلحوا بالحقن ما رأوه غائرا من حفر الزمان، وعالجوا بالجراحة أنوفا وشفاه حتى تصبح أكثر اتساقا، أو أكثر امتلاء، ورفعوا جفونا وشفطوا بطونا، وجربوا بالأدوية والمساحيق والعطور مما عرفوه - أو لم يعرفوه - لكى يؤثروا ويأسروا، وبالغ الشطار منهم حتى وصلوا إلى حد تغيير الأنساب وإنكار الأصول ليعرضوا أصولا مختلفة بعد أن هيأوا الأسباب لحاضر مغاير! - ووصل بهم الأمر إلى حد إطلاق النار على مراحل من التاريخ العربى، لكى تبين صورتهم المرسومة المستجدة دون خلفيات تشوش على حُسنها، وقد ظنوا أن ما صنعوه - سوف يعجب العين الأمريكية ويخطف قلبها.

وأشار هيكل إلى أن العرب أضافوا المال إلى الجمال حين رأوا وضع معظم استثماراتهم المادية والإنسانية، الإقليمية والعالمية، تحت تصرف الولايات المتحدة ورهن أمرها، وظلوا صابرين على رأسمالهم المادى وأرصدتهم الإنسانية أكثر من ثلاثين سنة، لم يدققوا خلالها ولم يحاسبوا. وعندما جاءت لحظة حقيقية أمام الكنيست الإسرائيلى، وفى ذكرى نكبة فلسطين يوم الرابع عشر من هذا الشهر "مايو 2008"، اكتشف العرب أن استثماراتهم السياسية والدولية - المعنوية والمادية - نفدت، وأن حسابهم لدى الولايات المتحدة مدين - مكشوف، وعليهم تسوية عجزه والسداد من الجسد الحى للأوطان إذا لَزَم، وإلا عرَّضوا أنفسهم للملاحقة وبعدها العقاب! وقال: قد ألاحظ بداعى الإنصاف وفى شبه هامش على الكلام - أننا بدأنا بعد طول الانتظار والصبر نسمع من داخل دوائر العلم والثقافة - أصواتا هامسة فى الولايات المتحدة - تطرح تساؤلات عن موجبات هذا الانحياز الأمريكى المطلق لإسرائيل، وتحذر من سلام هذه المنطقة، وحتى على مستقبل إسرائيل ذاتها، إلا أن هذه الأصوات مازالت عند درجة التمتمة الخافتة، إذا قورنت بدوى ذلك الهدير الصاخب المؤيد لإسرائيل، حتى وإن بان لنا أن بعض الضوضاء ضجة جوفاء بالتصنع، فارغة من الصدق!.

وختم هيكل حديثه قائلا: إذا لم نعثر على رد مقنع على سؤال مُلح، فلعلنا فى هذه القاعة الليلة نصادف مفتاحا يستطيع أن يدور فى قفل تراكم عليه الصدأ، فضيفنا هذه الليلة واحد من أبرز أساتذة العلوم السياسية فى جامعة "هارفارد" الدكتور "ستيفن والت"، وهو رجل صاحب علم وخبرة، وأهم من ذلك صاحب رؤية، وأترك له هذه المنصة، آملا أن نسمع صوت "تكة" - ولو خافتة - نعرف معها أن المفتاح يمكن أن يدور، وأن القفل الحديدى قابل لأن يلين، وأن تلك علامة على أن السؤال له جواب، بقى أن أسجل للأمانة أن هذا السؤال الحائر لدينا يستدعى قبله - وليس بعده - سؤالا أهم من الانحياز أو الاستقامة الأمريكية، وذلك هو سؤال المستقبل العربى، وهو مما لا يحق لنا الطلب من صديق - مهما كان علمه - مفتاحا لقفله، لأن جوابه فى عهدة ومسئولية أصحاب المستقبل العربى - إرادتهم وقدرتهم - هم وليس غيرهم.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة