انتابنى طوال الشهرالماضى فضول التجول داخل المستشفيات والعيادات فى محاولة متواضعة منى للوقوف عند حقيقة الأرقام المفزعة حول نسبة الأقبال على المستشفيات والعيادات، وكنت أفكر فى إجراء تحقيق صحفى يرصد بعض المخالفات والقصور الذى يئن منه المواطن عبر أزمنة متعاقبة.
لكن فكرة التحقيق تغيرت تماما بعد أن خطفنى ملمح الزحام غير العادى داخل المستشفيات والعيادات سواء الخاصة أو العامة، لكى أشعر من فرط الزحام أن الشعب كله – باستثناء الطبقة إياها- يداوم على الذهاب إلى المستشفيات, فمثلا فى عيادات العيون تشعر أن نصف الشعب لم يعد يحتفظ بسلامة نظره, والمحزن أن ذلك فى مختلف المراحل العمرية, وعند أطباء السكر فحدث ولاحرج فبالكاد تصدق أن نسبة قليلة هى التى لم تحترق أعصابها ويموت بنكرياسها.
أما الأخطر فهى الهرولة الدائمة إلى أطباء الأمراض النفسية والعصبية بشكل غير مسبوق - حسب قول الأطباء- فى محاولة للبوح والتنفيس لعل الأمل يكون لديهم, لكن عندما تطلع على قوائم الانتظار فى المستشفيات وخاصة معهد القلب تتأكد أن المصريين فعلا بالكاد يلتقطون أنفاسهم وبصعوبة, وأن شرايينهم مزقتها تداعيات الحياة . عليك أن تعيش هذا المشهد فى بقية التخصصات فالأمر لن يختلف كثيرا، وأرجوك أيضا أن تذهب للحجز فى عيادة بعض الأطباء لتكتشف بنفسك أن الرد: العيادة كاملة العدد .. وأن دورك بعد شهر. فالزحام مستمر.
إذا سلمنا بحكم الواقع أن تفاصيل الحياة التى لا مفر منها هى التى قادت وتقود الناس إلى فراش المرض فإن هناك مشكلة داخل المشكلة نفسها تتعلق بكيفية توفير ثمن العلاج, فالمشهد يزداد قتامة وبدلا من أن يحلم الناس بعلاوة تسد رمق احتياجاتهم من مأكل ومشرب فقد صاروا وبصدق يحلمون بتوفير ثمن الدواء لكى يستطيعون الصمود أمام التفاصيل التى أصابتهم بالمرض.
إنها قصص تحمل مشاهد متشابكة والمرض صار نتيجة لمعطيات تتحملها حكومتنا الذى أطلق الشعب من على فراش مرضه صفارته لكى ترحل، أملا فى الشفاء. ومن داخل هذه المستشفيات أطالب رئيس حكومتنا بأن يتجول – معذرة حتى لا يبذل جهدا – يزور إحدى المستشفيات ويسأل المرضى عن أسباب آلامهم فحتما وبصدق سيكتشف أن الأسباب الحقيقية لا تخرج عن الغلاء المدمر, والأجور المتدنية وعشوائية الإدارة فى معظم المصالح الحكومية, والإهمال الطبى وخنقة البيوت, وبهدلة المواصلات, وثقل الأقساط المترامية على أطراف الحياة, ورجال أعمال يستولون على مقدرات ليست حقوقهم على مرأى ومسمع من رجالك يادكتور نظيف.
سيادة رئيس الوزراء .. الناس تبحث عمن يأخذ بيدها قرب شاطئ الأمان أملا فى تنجوا يوما ما .. افعلها واستمع لأوجاع وأنين هؤلاء, فلن تخسر شيئا, وساعتها أنت وضميرك.. لك الحرية فى أن تفعل ما تشاء.. إما البقاء ..وإما البقاء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة