تعتمد اللعبة المسرحية فى أساسها على "الإيهام " ولذا يسخر كل أفراد العرض المسرحى أنفسهم وأدواتهم لإيهام المتلقى بما يحدث على الخشبة وكذلك يدخل المتلقى تلك اللعبة بنفس المنطق. فهو يأتى الى المسرح ويعرف أن هناك لعبة عليه أن يوهم نفسه فيها بأن ما يراه هو حقيقى وأن الممثلين الذى يحفظ أسماءهم عن ظهر قلب هم الآن الشخصيا ت التى تراءى للعمل المسرحى أن يخلقها.
رغم كل ذلك فلا يتبع جميع المسرحيين تلك القاعدة، حيث نجد أن مسرح "برتولد بريخت" مثلا يكسر تلك الحالة من الإيهام بما هو معروف فى مسرحه بمصطلح "كسر الإيهام" وهو يعنى إفاقة المتلقى كلما استسلم للإيهام والتنبيه عليه أن ما يراه ما هو الا "لعبة" ولايمكن له أن يسلم عواطفه لها ولكن يجب عليه أن يعمل العقل.
أذكر ذلك لعلاقته ببعض تصريحات مسئولينا والتى تدخل فى إطار المسرح البريختى حيث كلما "توهم" المواطن أن الحكومة فى صفه وتعمل من أجله، فإذا بتصريح من مسئول يفيق المواطن على ألا يصدق ما يراه ولايستسلم له. وآخر تلك التصريحات البرختية جاء على لسان أحد مسئولى وزارة التعليم تعليقا على تسمم حوالى 270 طفلاً فى الإسكندرية بعد تناول وجبة بسكويت وزعت عليهم بالمدارس، فإذا بالمسئول يعلن أن الأطفال لم يتسمموا فى الواقع وأن ماحدث قد حدث بالإيهام! .
وها هو يكسر حاجز الإيهام الذى تحاول الحكومة أحيانا أن تدخل المواطن فيه حيث ساهم هو فى إفاقة المواطن – المتلقى- على ألا يصدق الإيهام التى تنسجه حوله الحكومة، تلك الحكومة التى تحاول جاهدة أن تلصق نفسها بنصر ولو ضئيل، كنصر فريق كرة قدم مثلا، وتعجبت لمصلحة من يكسر هذا المسئول الإيهام والذى يعرف هو شخصياً كم تعبت الدولة كثيراً فى خلقه وتسخر له أجهزة عملاقة مهمتها أن تبقى مواطنها - متلقيها- دائما تحت تأثير الإيهام بأنها ترعاه وتحبه وحقاً تعمل من أجله.. الأمثلة كثيرة على كسر الحكومة نفسها لإيهامها بعبقرية يخجل منها بريخت نفسه.
فعلى سبيل المثال لا الحصر فهى تسقطنا فى إيهام الإيرادات العالية لدخل قناة السويس وما أن نستسلم للإيهام فإذا بها تكسره ببيعها الغاز الطبيعى ولمن وبأى ثمن.. كما قلت تتعدد الأمثلة ولكن لايوجد مثلا بعبقرية تصريح هذا المسئول والذى استعمل – من دون كل التعبيرات- لفظ الإيهام..هذا المسئول الذى لو كان قد صرح بتصريح كهذا فى دولة لاتمارس الإيهام على مواطنيها ليل نهار لكان مكانه مستشفى الأمراض العقلية. لم يبق لى فى النهاية إلا الدعاء الخالص من قلبى لهذا المسئول وأبنائه وأحفاده ببطون لايسكتها إلا طعام الإيهام !
مصرى يعيش فى أمريكا