ربما لا توجد كلمة أكثر إغراءً بالنسبة لأى كاتب من "الأكثر مبيعاً".. فى ظل واقع أدبى بدأ لتوه يتنفس رائحة القارئ العادى، الذى لا تربطه أية علاقة بالأدب..
عناوين قليلة فتحت باب الأمل أمام الأدباء والناشرين من جديد، فأغرت الناشرين بإعادة طبعها مرة واثنتين وثلاث، حتى تجاوزت العشرين طبعة فى بعض الأحيان. كان فى مقدمتها عن جدارة "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسوانى، تبعها العديد من العنواين التى حققت مبيعات تجاوزت العشر طبعات مثل "تاكسى: حواديت المشاوير"، رغم صعوبة تصنيفه كعمل أدبى، ومن قبل "الحب فى المنفى" لبهاء طاهر، الذى لاقت روايته الأخيرة "واحة الغروب" رواجاً واسعاً بعد حصوله على جائزة البوكر العربية..
فهل توجد "طبخة" سحرية للأكثر مبيعاً؟
الروائى علاء الأسوانى، صاحب أهم وصفة للأكثر مبيعاً، يعجز عن وضع توصيف للأعمال الأكثر مبيعاً، رافضاً تبرير الأمر باعتباره نتيجة طبيعية لتحويل "عمارة يعقوبيان" إلى فيلم سينمائى. يقول الأسوانى إن أرقام بيع "شيكاجو" فاقت الأولى بثلاثة أضعاف، حيث نفدت أول طبعة من "شيكاجو" خلال خمسة أيام، ثم باعت 25 ألف نسخة فى خمسة أسابيع، وأعتقد أن أرقام المبيعات تلك تعتبر سبقاً لم يتحقق لأحد.
الأسوانى يبدى اندهاشه من دور النقاد فى تناول روايته الأولى لأنهم "ساقوا مبررات عديدة لأرقام مبيعات الرواية على وجد التحديد، لم "يشتغلوا" على الرواية بقدر انشغالهم بتوزيعها، قالوا كل شىء تقريباً عنها إلا أنها جيدة!". على الأقل نجحت فى تقديم نموذج مختلف من الأدب،يضيف الأسوانى، عادت بالأدب إلى ساحة التيار الواقعى، وهو ما يفتن القارئ حتى الآن. "أعتقد أن كفة القارئ ستميل إذا كنت تحترمه وتضعه أمام عينيك". إضافة إلى أن رسم تفاصيل الشخصيات يعتبر من أهم مفاتيح الوصول للقارئ.. فى "شيكاجو" مثلاً كنت أفتح ملف "الوورد" على الكمبيوتر لأضيف إلى كل شخصية تفصيلة جديدة، أحياناً تتصل بعاداته وطبيعته، وأحياناً بهيئته وشكله، حتى أرى الشخصية أمام عينى كما لو أنها تتحرك وتكاد تنطق..
خريطة تجارة الكتب الأدبية تغيرت كثيرًا.. هذا ما يؤكده الروائى والناشر مكاوى سعيد صاحب رواية "تغريدة البجعة"، التى حققت مبيعات كبيرة وتجاوزت طبعاتها حتى الآن الخمس طبعات، كما رُشحت لجائزة البوكر العربية. سعيد يؤكد أن معدلات القراءة ارتفعت بشكل ملحوظ مع انتشار المكتبات والمدونات الإلكترونية و"الفيس بوك"، وهو ما أحدث نقلة ملحوظة فى حركة شراء الكتب، وأدى لظهور الكتب الأكثر مبيعاً، وهو تأثير جيل كامل من الكتاب أمثال إيهاب عبدالحميد وحمدى الجزار ومحمد الفخرانى وغيرهم ممن اقتربوا من القارىء ولم يتعالوا عليه.
مسألة الارتباط بالقارئ تبدو مهمة للغاية عند مكاوى، لكن لا توجد لديه وصفة سحرية لعمل أكثر مبيعاً "وإلا ما كانش حد غلب". ويضيف هناك موضوعات حميمة بطبعها وقريبة من القارئ، ربما يكون هذا هو تفسير نجاح رواية "تغريدة البجعة"، فهى تتناول مجتمع وسط البلد، الذى يجذب اهتمام الكثيرين بما فيه من تناقضات وقضايا وشخصيات مثيرة للجدل. مكاوى يوجه سخرية لاذعة لجيل كامل كان السبب فى ابتعاد الجمهور عن القراءة "شوية أصحاب بيكتبوا عن بعض، ويمجدوا فى بعض والقارئ فى النهاية ما استفادش حاجة" مشيراً إلى أن الرواية العربية لا تزال فى طور التكوين، لم يتجاوز عمرها السبعين عاماً، ولم تتأصل بعد مثل الرواية الغربية التى يتجاوز عمرها عدة قرون.. وبالتالى أى محاولة لتقليد الرواية الغربية ذات الطابع التجريبى هى محاولة محكوم عليها بالفشل.
الروائية سحر الموجى (صاحبة رواية "نون") تتفق مع مكاوى فى أنه لا توجد وصفة سحرية لكتاب أكثر مبيعاً، وتستدل على ذلك بقولها إن هناك عدداًَ كبيراً من الروايات التى اعتمدت على كسر التابوهات والفضائح الجنسية، ورغم ذلك لم تحقق مبيعات عالية، ولم يسمع بها أحد. سحر تؤكد أن الروائى ليس حرفياً حتى يعمل وفق وصفة محددة، ولكن الموضوع هو الذى يفرض نفسه على الكاتب..وتسجل اعترافاً أنها لم تكن تتوقع لرواية "نون" المبيعات التى حققتها، ولم تكن تظن أنه سيهتم بها غير مجموعة الأصدقاء الذين يقرأون لها دائماً، ولا تملك حتى الآن تفسيراً لهذا النجاح، لكنها ترجح أن يكون سببه هو الأسئلة التى تطرحها الرواية حول الاغتراب والضياع وهو ماوجد القارئ نفسه قريباً منه.
سحر تشير إلى أهمية الجوائز وحملات التسويق من ندوات وحفلات توقيع وبوسترات وخلافه فى خلق نمط جديد من القراءة، ولكن تلك العوامل لا تصنع بالضرورة رواية أكثر مبيعاً "فكم من رواية خدت جائزة وعملت أكثر من حفلة توقيع ورغم ذلك لم تنجح وعلى العكس هناك العديد من الكتب للجيل الجديد مثل أحمد العايدى وعمر طاهرتناقلها القراء بينهم وحققت انتشاراً كبيراً دون دعاية ..الرهان فى النهاية على القارئ وهو واعٍ بما فيه الكفاية".