يوسف إدريس كان يغار من موهبة يحيى الطاهر عبد الله, ويخشى أن يحتل مكانته على عرش القصة القصيرة.. هذا ما انتهى إليه مؤتمر بعنوان "يحيى الطاهر عبد الله" بورشة الزيتون، أمس الأول والذى أقيم بمناسبة مرور 70 عاماً على ميلاد يحيى الطاهر عبد الله.
بدأ المؤتمر الاثنين الماضى، وكان من المفترض أن يستمر حتى الأربعاء، لكن تم اختزاله فى يومين فقط .. غاب عن المؤتمر أهم ضيف فيه وهى أسماء بنت الكاتب المحتفى به لظروف مرضها ـ كما قال الشاعر شعبان يوسف ـ منظم المؤتمر ـ ولكنها بعثت ببعض الصور النادرة ليحيى الطاهر وأسطوانة عليها قصة "هكذا تكلم الفران" من مجموعة "حكايات الأمير حتى ينام" بصوت يحيى وقرأ الكاتب شعبان يوسف قصيدتين عن يحيى للشاعرين عبد الرحمن الأبنودى ورجب الصاوى.
الكاتب شعبان يوسف قال إن حضور يحيى فى وجداننا وكتاباتنا، منذ بداية الستينيات حضوراً راسخاً وحتى الأجيال اللاحقة، بل إننى أكاد أضبطهم متلبسين بكتابته.
شبعان تطرق إلى جوانب شخصية لدى يحيى قائلاً إنه كان فضولياً، محباً لذاته، معتزاً بها.. غالباً ما كان يراوده هاجس أن كل من حوله مخبر، وكان عندما يقابل مخبراً يقول له .."إنت متعرفنيش ..أنا كاتب القصة القصيرة الكبير يحيى الطاهر عبد الله ..إنت متعرفش يحيى الطاهر".
الكاتبة سلوى بكر قدمت ورقة بعنوان "أثر يحيى الطاهر فى القصة الجديدة" وقالت: ليس غريباً أن يتلاعب النقد تحت مسميات الحداثة وما بعدها، ويتحدث عن كتابة جديدة دون أن يحدثنا عن أعمال يحيى الطاهر، فهو الذى خلص القصة القصيرة من الشوائب بلا منافس، وهو الذى منحها جماليتها التى كانت مفتقدة لدى يوسف إدريس أحياناً، ولدى يحيى حقى أحياناً كثيرة. مضيفة أن أثر يحيى يظهر بعمق فى كتابات كثيرين أمثال جار النبى الحلو ويوسف أبو رية وأنا وغيرنا.
الروائية هويدا صالح أشارت فى شهادتها إلى أن هناك ملامح عامة تتسم بها كتابة يحيى فى تجربته، أهمها اللغة الشعرية، وإقامة جدل مع التراث الشفاهى والشعبى والأساطير، والتجريب فى الشكل والسرد.
الكاتب سعيد الكفراوى الذى قدم شهادته فى اليوم التالى قال إن كاتبين كانا يجعلانه خائفاً من مجرد التفكير فى الكتابة، هما يحيى الطاهر ومحمد مستجاب وكان يشعر أن تجاوزهما يحتاج إلى موهبة حقيقية.
لم يسلم يحيى من حديث سعيد عنه: "كان عدوانياً، وفيه صراحة تعجبك. غيور جداً، لا يحب أن يكتب أحد أفضل منه، وأنه هو أول من نبهنا إلى عالم الدنس فى المحارم وتجاوز الشرعية وفكرة الموت.. وخليل كلفت هو الوحيد الذى كان يسمع كلامه..عندما يقول له خليل: اسكت، يسكت فوراً، ورغم أن علاقته بإبراهيم أصلان كانت ملتبسة، فإنه عندما كانت تعجبه قصة لأصلان كان يدور بها ويقرأها على جميع أصدقائه.
أما علاقته بأمل ـ يضيف سعيد ـ فكانا دائماً على خلاف، وكان يحيى يقول عنه إنه عميل ليبى، لأنه كان يحمل علبة سجائر كاملة فى جيبه، فى وقت كان الجميع يشترون السجائر بالعدد ويتصالحا فجأة، وتصير علاقتهما فى غاية المودة. أما عن علاقته بيوسف إدريس فأول مرة رآه فيها كان يشاغب زملاءه فى مقهى ريش، وهو واقف، فقال:" الولد ده هيبقى كاتب قصة أو حرامى"، فكان كاتب القصة. وبشر به يوسف إدريس.. من وقتها أحبه وكان يستقبله باحترام، وقدم له مجموعته القصصية "شاى الجبل الأخضر".
شعبان خالف الكفراوى فى الرأى، قائلاً: إنه رغم سطوة يوسف إدريس وحضوره الطاغى وقتها، فإنه كان يكره يحيى، لأنه رأى فيه الموهبة الآسرة، والكتابة المغايرة والتى يمكن أن تزيحه من على عرشه، لذا كان رأيه فيه سلبياً ويقول إنه ليس كاتباً كبيراً، رغم أنه قدم مجموعته "شاى الجبل الأخضر"، وأن الذى قدمه قبل يوسف إدريس الكاتب يوسف الشارونى فى مجلة "المجلة" عدد أغسطس 66.
فيما قدمت الكاتبة أمينة زيدان ورقة بعنوان "رمزية الحب والثورة فى قصتين" "أنا وهى وزهور العالم" و"حكاية عبد الحليم أفندى وما جرى له مع المرأة الخرقاء"، موضحة أن يحيى كان واعياً بالتراث الشعبى، ينشغل بألف ليلة وليلة طوال الوقت.
أما الروائى منتصر القفاش فقد "قلب الترابيزة" على جيل الستينيات الذى ظل يقدم عن يحيى الحكايات والمواقف المختلفة، ولا يقترب من نصوصه.
الناقد سيد ضيف الله اختتم المؤتمر بكلمة قال فيها إن: يحيى كاتب كان يعرف هدفه من الكتابة، وكان لديه وعى بالكيفية التى يكتب بها وكيفية الكتابة ولمن يكتب. كان قادراً على تقييم نفسه بقسوة حين يقول فى مقدمة مجموعته "أنا ليس لى تأثير ولن يكون".
معروف أن يحيى الطاهر ولد فى 30 أبريل 1933 بقرية الكرنك مركز الأقصر بقنا، وكان يتميز بموهبة غير عادية، وكان يحفظ قصصه بذاكرة حديدية. توفى يحيى الطاهر عبد الله فى حادث سيارة على طريق القاهرة - الواحات ، يوم الخميس 9 أبريل 1981 ودفن فى قريته الكرنك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة