يبدو أن جميع الفرقاء اللبنانيين استلموا نسخة من الرسالة التى وجهها الكاتب محمد حسنين هيكل إلى رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السينورة ودعاه فيها إلى تقديم مبادرة نوعية من أجل إنقاذ لبنان، قائلا بالنص على قناة الجزيرة الفضائية " أرجوك يا دولة الرئيس.. أنا أعرف أهمية ما يجرى من حول لبنان.. أرجوك ألا تنتظر طويلا قبل أن تطرح مبادرة حل لهذا التوتر فى لبنان.. لبنان فى خطر، والوضع الإقليمى ليس فى صالحك ولا يقـدر على خدمتـك.. والوضع الدولى لديه اهتـمامات كثـيرة، وأنت تبدو بعيدا عنها".
فالواضح أن توصل الشتات السياسى اللبنانى لحل يرضى جميع الأطراف فى وقت قياسى بالمقارنة مع أعمار الأزمات اللبنانية ومع السنوات المستغرقة فى حوارات وطنية لم تسفر عن شيء ، يؤكد أن الفرقاء ذهبوا إلى قطر وهم يحملون أفكارا قديمة ولكن بنوايا جديدة يمكن وصفها بأنها الدروس والعــبر من الأحداث التى مرت بها لبنان خلال العامين الأخيرين بدءا من الحرب الإسرائيلية على لبنان فى منتصف عام 2006، وانتهاء باحتجاج المعارضة المسلح ضد قرارات الحكومة الخاصة بشبكة اتصالات حزب الله وعزل وفيق شقير عن أمن المطار، فالاتفاق الذى أعـُلن عنه فى الدوحة يحمل أفكاراً سبق طرحها وتداولها تحت أكثر من مسمى وفشل الفرقاء فى الاتفاق عليها ولكن تعديل النوايا هو الذى أدى لتعديل النتيجة.
وتتماشى النوايا الجديدة مع دعوة "هيكل" خاصة فيما يتعلق بقائمة الاهتمامات الدولية وقدرة القوى الإقليمية على خدمة الحكومة اللبنانية، بعد أن أثبتت حرب يوليو أولاً والاحتجاج المسلح ثانيا أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسرائيل وحلف الاعتدال المصرى السعودى غير قادرين على تحجيم حزب الله عسكريا أو سياسيا، وهو ما أقنع حلفاء 14 آذار بعدم الاعتماد على الدعم الخارجى لا دولياً ولا إقليمياً، خاصة وأن تأخر هذا الدعم أدى إلى تنامى قوى المعارضة داخل لبنان ، بينما خسرت الحكومة الكثير على نفس المستوى وخاصة على صعيد العلاقة مع المؤسسة العسكرية اللبنانية التى تأكد بلوغها سن الرشد الوطنى وتخطى مرحلة المراهقة الطائفية.
وفى الوقت نفسه فقد ذهب الرفقاء و الفرقاء إلى الدوحة وهو يشعرون بأنهم جميعا ورطوا أنفسهم فيما لا طاقة لهم به ، ففريق الموالاة مازال يستحلب طعم مرارة التراجع عن قراراته غير المدروسة والتى لا تتناسب مع قوته الداخلية ولم تحظ بدعم كاف خارجياً . أما المعارضة فقد اكتشفت أن اندفاعها وانفعالها أفقدها جزءاً من تأييد الشارع العربى والإسلامى باعتبارها مقاومة مسلحة ضد إسرائيل وليس ضد اللبنانيين وبالتالى فإن القتلى والجرحى فى صفوف اللبنانيين ليس رقماً للتباهى ولكن للشعور بالعار، وبالتالى ذهب الجميع إلى الدوحة بحثا عن طوق نجاة وحصلوا عليه.
وضع الفرقاء والرفقاء اللبنانيين قبل الذهاب إلى الدوحة لم يكن أسوأ حالاً من القوى الإقليمية المؤثرة بقوة فى القرار اللبنانى ، فالجميع فى مصر وسوريا وإيران وإسرائيل لديه ما يشغله عن حلفائه فى لبنان، ومع ارتفاع معدل الأزمات فى لبنان وإعادة تصديرها لهذه الدول فإنه أجبرها على القبول بأن تكون قطر راعيا رسميا للحوار بمشاركة جامعة الدول العربية الشريك الدائم فى رعاية الحوارات اللبنانية، واكتفت القوى الإقليمية بمباركة الحوار ونتائجه واستفادت من بعدها أكثر مما استفادت من تدخلها الذى كان يزيد الوضع تأزماً.
والميزة فى قطر هنا أنها لم تكن محسوبة على طرف لبنانى ضد الآخر فهى ليست بسوريا أو إيران الداعمه لحزب الله، ولا هى مصر أو السعودية الداعمة لفريق السلطة وهى فى نفس الوقت ليست معادية لا لإسرائيل ولا لأمريكا أو فرنسا. وباختصار فإن قطر باعتبارها دولة تبحث عن دور إقليمى بعيداً عن الممانعة أو المقاومة و بشروط توافق عليها القوى الإقليمية والدولية نجحت فى إخراج الحوار بصورة ترضى جميع الأطراف اللبنانية وتريح - ولو مؤقتاً – دماغ القوى الإقليمية والدولية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة