"تكدس، اختناق، عشوائيات.." ثلاث كلمات تعكس أهم السمات التى أصبحت تميز محافظة القاهرة عن باقى محافظات مصر المحروسة. وهو مادفع الدولة لاتخاذ مجموعة من الحلول تتمثل فى بناء المدن الجديدة وإنشاء خطوط لمترو الأنفاق مع طرح فكرة إنشاء عاصمة جديدة. وعلى الرغم من ذلك إلا أن هذه الحلول لم تحظ بالتأييد الكامل بل قوبلت بالهجوم والمعارضة من قبل البعض استنادا منهم إلى أن الدولة لا تقوم بالتخطيط الجيد والدراسة لأى مشروع تقوم به مما يجعل هذه المشاريع مجرد أعباء إضافية على ميزانية الدولة.
"المدن الجديدة مخططة جيدا, لكن تنقصها سياسة التنمية وتوفير الخدمات حتى تصبح قادرة على جذب المواطنين إليها" .. بهذه العبارة بدأ المهندس صلاح حجاب – رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال – كلامه منتقدا المركزية المتمثلة فى التخطيط والتنفيذ مما يجعل القاهرة وحدها تحظى بكافة الإمكانيات والخدمات, فى الوقت الذى تفتقر باقى المحافظات لها. وأضاف قائلا: "اللامركزية فى التنفيذ هى الحل حيث يجب توفير الخدمات داخل المحافظات حتى لا يضطر أهلها إلى الانتقال للقاهرة والعيش فيها، مستشهدا بما حدث مع استخراج جوازات السفر التى كان فيها مجمع التحرير هو المكان الوحيد داخل مصر المختص بذلك.أما الآن فمن الممكن استخراجه من أى قسم شرطة فى أى محافظة".
أما الدكتور أحمد يحيى – أستاذ ورئيس قسم الهندسة المعمارية بجامعة المنصورة – فعلق قائلاً "ياريت يسيبوا القاهرة تاكل فى بعضها ويدوروا على أماكن تانية فى المحافظات"، طارحا بعض البدائل التى تعتمد أولاً على حتمية سعى الحكومة إلى جعل القاهرة عامل طرد سكانى من خلال الابتعاد عن أى تطوير فى خدماتها أو مرافقها. وبسؤاله عماهو ذنب أهالى المحافظة فى الحرمان من حقوقهم الخدمية ؟ أجاب أن هذا الإهمال لن يستمر طويلا بل لفترة محددة من الوقت وبعد أن يخف الضغط عليها يمكن البدء فى تطويرها، بل يجب أيضا أن يتم الضغط على سكانها من خلال فرض ضرائب أكثر عليهم فى الوقت الذى لا يدفع فيه سكان المدن الجديدة هذه الضرائب. وهو ما سيجعل الناس تفضل السكن فى هذه المدن عن القاهرة, مع ضرورة الوضع فى الاعتبار توفير المواصلات وفرص العمل لكى تجذب المواطنين .
بعد تنهيدة صغيرة أردف يحيى قائلا:" أما بالنسبة لنقل الوزارات والمصالح الحكومية إلى مكان آخر غير القاهرة، فهذا يتطلب ضرورة توفير وحدات سكنية للموظفين العاملين فيها, لأن من غير المعقول أن يكون أحد الموظفين يسكن على سبيل المثال فى العياط جنوب الجيزة ويذهب لعمله بالوزارة أو المصلحة فى مكان أبعد من مدينة العاشر من رمضان، وهو ما يستلزم إنشاء مجتمعات مستقلة ذاتيا عن القاهرة "0 كما تحدث عن قلة الإمكانيات التى يرى أنها نسبية بدليل إنشاء مدن جديدة - حسب قوله - "عمال على بطال " دون السعى لاستكمال أى منها. "قبل أن تتم الحكومة أى مدينة وتوفر الخدمات اللازمة لها نجدها بدأت فى إنشاء مدينة أخرى, وأهملت الحالية".
شكرى رحومة - عضو مجلس الشعبة المدنية بنقابة المهندسين- يقول ساخرا :" الشعب المصرى ليس لديه إلا القاهرة لكى يعيش فيها، فمازالت فكرة أنها العاصمة مسيطرة على عقله " .. أضاف قائلا " القاهرة أصبحت تفتقد للمواصفات الفنية اللازمة, ومن هنا فالحل هو أن تقوم الحكومة بعمل مدن جديدة فى كافة المحافظات, وهو ما يتطلب تسهيل المواصلات وعمل مرافق عامة جيدة مع نقل كافة أشكال الحياة التى تتمتع بها المجتمعات العمرانية الحالية إليها أى عمل اكتفاء ذاتى فى كافة المحافظات الأخرى من خلال دراسة نقاط الضعف والقوة فيها سواء على مستوى المرافق والخدمات المقدمة أو عدد سكانها وحجم مساحة الظهير الصحراوى المتواجد فيها، ثم التخطيط على هذا الأساس لإنشاء مدن جديدة تحتوى على ما تحتاج إليه هذه المحافظات"..حيث يعتبر أن إنشاء مدن جديدة على أطراف القاهرة ليس حلا بل على العكس تماما, لأن من شأن ذلك جذب مزيد من مواطنى المحافظات الأخرى إلى هذه المدن مما يزيد من الضغط على نفس الحيز المكانى .
رحومة يستكمل قائلا: "كما يجب طرح مجموعة من اللوائح والقوانين التى تعطى لأبناء أى محافظة الأولوية فى الحصول على فرص العمل فيها عن أبناء المحافظات الأخرى، بالإضافة إلى ذلك فمن الأفضل على أى محافظة لديها ظهير صحراوى أن تستغله فى الزراعة بدلا من إقامة المدن. لأن تعميرها بالزراعة سيجذب الشباب إليها بهدف التخلص من شبح البطالة الذى يطاردهم وبمرور الوقت ستصبح هذه الأرض هى كل شئ فى حياتهم وسيسعون لبناء وحدات سكنية للعيش بها .
العمل بمفاهيم التنسيق الحضارى هو البديل من وجهة نظر الدكتورة سهير حواس – رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث والسياسات بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى– مبررة ذلك بأن هذه المفاهيم ستمنع الارتجال والفوضى فى بناء التجمعات العمرانية والمصالح الحكومية والكبارى العلوية التى أدت إلى المزيد من العشوائية المرورية, وهو ما يستلزم خلخلة هذه المصالح والحد من إنشاء أخرى جديدة بالإضافة لعمل جراجات متعددة الطوابق تحت الأرض تستوعب أكبر عدد من السيارات بدلا من ركنها فى الشوارع الأمر الذى يعيق حركة المرور .
فى نفس السياق أوضحت سهير حواس أن مشكلة الاختناق المرورى لن يتم حلها إلا بعد التخلص من مشكلة التكدس السكانى، وبعدها يمكن عمل الانضباط المرورى على أسس سليمة تتمثل فى إزالة الإشغالات التى تعانى منها الشوارع نتيجة الازدحام، بالإضافة إلى رفع الأرصفة بطريقة صحيحة لاتسمح لأى سائق أن يعتدى عليها من خلال السير فوقها أحيانا. كما ترى أن عمل مزيد من الأنفاق تحت الأرض من أفضل الحلول والبدائل للكبارى العلوية التى تزيد من تشويه المنظر العام ولاتساعد على حل أزمة المرو, ويجب على الدولة أن تمنع اختراق المرور العابر وهو ما يعانى منه مواطنو القاهرة, فمن يرغب فى الذهاب لمنطقة السيدة زينب مثلا لابد أن يخترق منطقة وسط البلد, والبديل هنا هو إنشاء المزيد من الطرق الدائرية الخارجية التى تمنع هذا الاختراق، أما بالنسبة للمدن الجديدة فهى بحاجة إلى أن تجعلها الدولة مناطق للجذب من خلال تمييز كل منها بطابع وشخصية مميزة عن الأخرى حتى لا تكون كلها قالب واحد فى الشكل والتصميم الأمر الذى سيخلق مزيدا من الانتماء من جانب السكان.
مجتمعات مستقلة واللامركزية الحل لتكدس العاصمة
خبير معمارى: سيبوا القاهرة تاكل بعضها حتى تطرد سكانها
الثلاثاء، 20 مايو 2008 10:20 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة